نعمة الظلام
تتزاحم التعابير في خاطري؛ تلك المتعلقة بنور الحقيقة وشمسها والبحث عنها وتحرّيها والبناء عليها… مع أن الطامات الكبرى في الحياة ومصائبها لم تأتي إلا من معرفة الحقيقة.
لا ندرك ونحن نبحث عن حقيقة أي أمر وأصله وفصله وعمه وجده وخاله، أننا نعد بأنفسنا لأنفسنا قنبلة. ما أن نخلع عنها صمام الظلام، حتى تبزغ شمس الحقيقة بانفجار مدمر لواقع نعيشه أو حياة اعتدناها أو أشخاصا نحبهم سيحرقهم هذا الانفجار ويأكل لحمهم حتى يتبدى لنا حقيقة ما جبلوا عليه. وطبعا لا يُخفى على أحد كم من حيوات تدمرت وعلاقات إنسانية تقطعت وآمال دكّت بسبب شمس الحقيقة ونورها، الذي يزودنا بصورة أشعة مقطعية لأعضاء تالفة لا يعتبر عدم رؤيتها خسارة، بل يقززنا ويجعلنا نلعن الساعة التي سعينا فيها إلى الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة… آملين أن يكون الله في العون.
لم أر في حياتي شخصا مرتاح البال مثل صديقة لي غير معنية بالبحث عن حقيقة أي أمر. ولا أخفي أنني، وأكثر من مرة عبرت، عن استيائي من كيفية قبولها أن تكون على هامش الحياة، وتغنيت أنا بأمجادي وكيف أنني لا أقبل الأمور بشكلها الخارجي، بل يجب أن أغوص في الأعماق. والحق يقال، أنني كلما غصت كلما ازداد شقائي وأرقي وانقطع الأكسجين عن شعلة قلبي. وعندما تتجلى الحقيقة بكاملها أمامي، تبدأ عملية الهدم لدي وما يصاحبها من وجع قلب وتغيير سلوكيات وقطع علاقات أو إعادة بنائها بشكل قد لا يعجبني ولكنه يتواءم مع الحقيقة التي عرفتها. وبالمناسبة، صديقتي هذه التي ذكرت من أسعد الأشخاص وأهناهم عيشا… غريبة يا جماعة العمق وسبر الأغوار، أليس كذلك؟
جهلنا بالأمور في معظم الأحيان نعمة، ونصيحتي للجميع لا تسعوا وراء الحقيقة إلا إذا كنتم تعملون في سلك القضاء والشرطة… أما أنا عن نفسي، فقد قررت أنه إن لم تأتي الحقيقة بنفسها إليّ وتجلس في حجري وتمسك وجهي وتفتح عينيّ وتقول ما عندها بالفم المليان، لن أبحث عنها. لماذا نبحث عن النور والشمس ونحن نملك البديل… ضوء نيون خفيف لطيف نضيئه ونطفئه ساعة نشاء؟