ماذا بعد الهدنة في قطاع غزة ؟
تصدر خبر الهدنة في (قطاع غزة) كل وسائل الاعلام العالمية، بعد اكثر من 45 يوماً من المعارك الضارية في قطاع غزة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، وعلي رأسهم “كتائب الشهيد عزالدين القسام” الجناح العسكري لحركة (المقاومة الإسلامية حماس) و “كتائب سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة (الجهاد الإسلامي في فلسطين) وايضاً “كتائب الشهيد أبو علي مصطفي وكتائب الشهيد عمر القاسم” الجناحان العسكريان لحركة (الجبهة الشعبية في فلسطين)، والتي أظهرت فيها فصائل المقاومة شراسة وفدائية كبيرة كبدت قوات الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة وغير مسبوقة في تاريخ المواجهات.
بدأت هذه المعارك الشرسة منذ صباح السابع من أكتوبر للعام الجاري، حين قامت “كتائب الشهيد عزالدين القسام” بشن هجوم سريع جداً وكاسح ضد فرقة ثعالب النار (فرقة غزة) التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي، وهي الفرقة المسؤولة عن حماية مستوطنات غلاف غزة، وأدي هذا الهجوم الي هزيمة ساحقة لفرقة ثعالب النار، واستطاعت بعدها “كتائب القسام” اجتياح مستوطنات غلاف غزة، ليعلن (محمد الضيف) القائد الأعلى ل “كتائب عز الدين القسام” عن بداية معركة (طوفان الأقصى)، ثم تتبعها “كتائب سرايا القدس” و “كتائب الشهيد أبو علي مصطفي وكتائب الشهيد عمر القاسم” عن انخراطهما في المعركة بشكل رسمي.
اسفرت المعارك في الأيام الاولي عن مقتل أكثر من 1400 قتيل من الإسرائيليين (حسب الأرقام التي أعلنها الاحتلال الإسرائيلي)، وأسر أكثر من 200 أسير إسرائيلي بين مدنيين وجنود وضباط برتب كبيرة، وهذا العدد من الاسري ارتفع الي أكثر من 250 اسير بعد المعارك البرية في (قطاع غزة)، وهذا العدد من الاسري موزع بين فصائل المقاومة المختلفة في قطاع غزة.
ما قبل الهدنة:
اشتعلت مظاهرات واسعة في شوارع (تل أبيب) من قبل أهالي الاسري الإسرائيليين لدي فصائل المقاومة، وذلك لمطالبة الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، ووزير الجيش الإسرائيلي (يواف غالانت)، الذين وعدوا افراد شعبهم بإعادة المختطفين في أسرع وقت، كما وعدوهم بالقضاء علي حركة (المقاومة الإسلامية حماس).
أجبرت الضغوطات (تل أبيب) الي خوض معركة برية في قطاع غزة، بهدف البحث عن المحتجزين وإنهاء وجود حركة (حماس) في القطاع، علي الرغم من التحذيرات الأمريكية والأوروبية عن خطورة هذا الهجوم البري، لكن الجيش الإسرائيلي بقيادة (غالانت) وبدعم من الكابينت (مجلس الحرب الإسرائيلي) قرر تنفيذ هذا الهجوم، وهو ما وصفته الصحف حول العالم بالغطرسة الإسرائيلية.
وبالفعل كما كان متوقع فإن الهجوم البري الإسرائيلي علي (قطاع غزة) كان بمثابة كارثة عسكرية علي الجيش الإسرائيلي، فقد خسر الجيش الإسرائيلي اكثر من 300 الية وأكثر من 3900 جندي (حسب تقارير إسرائيلية)، كما ان الكارثة زادت عندما أعلنت “كتائب القسام” عن ارتفاع عدد الاسري لدي فصائل المقاومة الي 250 اسير، مما يعني انه تم اسر 40 جندي علي الأقل في المعارك البرية داخل (قطاع غزة)، وهو ما سبب كارثة إعلامية للجيش الإسرائيلي.
بالإضافة الي الهجوم الإعلامي العالمي الشديد علي الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بسبب الاستهداف المستمر للمدنيين الفلسطينيين بشكل مباشر ومتعمد، وارتكاب الاحتلال لأكثر من 1100 مجزرة بحق المدنيين الفلسطينيين في (قطاع غزة)، اسفرت عن ارتقاء اكثر من 14800 شهيد منهم 6500 طفل، واكثر من 30 الف مصاب، بالإضافة الي الاستهداف المتعمد والمتكرر للمستشفيات والمرافق المدنية، وكذلك استهداف الصحفيين والأطباء، وكان اخرها إلقاء القبض علي مدير مجمع الشفاء الطبي.
لماذا اضطرت إسرائيل الي قبول الهدنة؟
ادعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي ان الاسري وقيادات حركة (حماس) والأسلحة والأنفاق والمقاومين جميعهم يختبئون داخل مستشفى (الشفاء)، وقالت السلطات الإسرائيلية ان الوصول الي الاسري لن يحدث الا باقتحام المستشفى، فتحركت الدبابات الإسرائيلية نحو المستشفى وحاصرتها لمدة أسبوع كامل، مانعة أي وسيلة من وسائل الحياة من الوصول الي المستشفى.
وبعد هذا الفعل الذي صنفته كل وسائل الاعلام العالمية بأنها جريمة حرب كاملة الأركان، قامت قوات الاحتلال باقتحام المستشفى والاعتداء علي من فيه من طاقم طبي او مرضي وجرحي، والتحقيق معهم لساعات طويلة، وليحدث ما كان متوقعاً منذ البداية وهو عدم وصولهم الي أي شيء.
تسبب هذا الحصار في وفاة المئات من المرضي في العناية المركزة في المستشفى، ووفاة أكثر من 50 طفلاً في الحضانات بسبب انقطاع الاكسجين عنهم، ولم يعثر الاحتلال داخل المستشفى علي أي دليل واحد كان يبحث عنه داخلها، فاضطر الي اختلاق مسرحية هزلية سمجة يدعي فيها وجود أسلحة وانفاق داخل المستشفى، وهو ما كذبته كل وسائل الاعلام العربية والعالمية وحتي بعض الصحف والمواقع العبرية.
تسببت كل هذه الأمور في ضعف شديد لموقف رئيس وزراء الاحتلال (بنيامين نتنياهو) امام العالم وحتى امام جماهير شعبه، التي بدأت تطالب بصفقة تبادل اسري فورية لضمان سلامة ذويهم لدي (حماس)، وخصوصاً بعد اعلان (أبو عبيدة) المتحدث العسكري بسم “كتائب القسام” عن مصرع 50 من الاسري بسبب القصف الهمجي من جيش الاحتلال علي قطاع غزة.
مجريات صفقة التبادل:
وقعت العديد من الاحداث قبل الاتفاق علي الصفقة الحالية لتبادل الاسري، وكان سببها هو مماطلة الاحتلال وغطرسة قادته الذين اعتقدوا انه يمكنهم تحرير الاسري عسكرياً دون تبادل، لكن الواقع في ميدان المعركة العسكرية والسياسية كان علي غير توقعاتهم في كل مرحلة مما يلي:
1- الصفقة الاولي
تدخل الوسطاء من الولايات المتحدة ومصر وقطر لعقد صفقة تبادل أسري أولية بين الطرفين، وكانت الصفقة هي 100 اسير إسرائيلي مقابل 100 اسير فلسطيني من سجون الاحتلال، وايضاً هدنة عسكرية في (قطاع غزة) لمدة 3 أيام، وعلي الرغم من رفض (حماس) هذه الصفقة منذ البداية، الا ان ضغوط الوسطاء ساهمت في موافقة (حماس) لكن بشرط ان تتم الصفقة خلال 5 ساعات من لحظة موافقة (حماس) عليها، لكن الاحتلال الإسرائيلي ماطل بصورة سمجة حتي مرت 9 ساعات تقريباً لتعلن عن موافقتها علي الصفقة، لتخرج حركة (حماس) معلنة ان هذه الصفقة لن تتم بسبب عدم التزام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالموعد المحدد لها.
2- الصفقة الثانية
بعد فشل الصفقة الأولي لتبادل الاسري زادت ضغوط الوسطاء علي الجانب الإسرائيلي، خصوصاً من الولايات المتحدة الامريكية حيث يوجد أسري لدي (حماس) يحملون الجنسية الامريكية، مما ادي الي قبول حكومة الاحتلال الإسرائيلي علي عقد الصفقة الجديدة، لكن قادة حكومة الاحتلال تفاجئوا بشروط جديدة من (حماس)، وهي 100 اسير فلسطيني مقابل 80 اسير إسرائيلي فقط، وهدنة عسكرية في (غزة) لمدة 4 أيام، وللمرة الثانية يماطل الاحتلال الإسرائيلي ليعود بالموافقة بعد انقضاء المهلة المحددة مرة اخري، وايضاً مرة اخري تعلن حركة (حماس) ان هذه الصفقة لن تتم بسبب مماطلة وعدم التزام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالموعد المحدد لها للمرة الثانية.
3- الصفقة الثالثة
زاد الضغط الجماهيري من الشعب الإسرائيلي علي حكومة (نتنياهو) للقبول بصفقة تبادل الاسري، وخصوصاً بأن (أبو عبيدة) المتحدث باسم “كتائب القسام” ان هناك عدداً من الاسري قد سقطوا قتلي بسبب القصف الهمجي من طيران الاحتلال الإسرائيلي علي قطاع غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية وجدت ان (حماس) قد وضعت شروطاً أكثر تعقيداً، فقد أصبحت الصفقة 50 اسيراً اسرائيلياً فقط مقابل 100 اسير فلسطينياً، بالإضافة الي 5 أيام هدنة عسكرية في (غزة)، والذي قابله رفض شديد من حكومة الاحتلال، وتبعه الاقتحام الوحشي لمجمع (الشفاء) الطبي والمسرحية الهزلية التي قاموا بها داخله بعد ان لم يجدوا أي شيء داخله.
وبعد الفشل العسكري والاستخباراتي للاحتلال الإسرائيلي في هذه المرحلة زاد الوضع سوءاً للاحتلال الذي حاول ان يعيد المفاوضات مرة اخري، لكنهم تفاجئوا ان (حماس) وعلي رأسهم (يحي السنوار) رئيس حركة (حماس) في (قطاع غزة) قد قطعوا الاتصالات تماماً مع الوسطاء، في اعلان واضح منهم عن انهاء الصفقة المطروحة، كما خرج (أبو عبيدة) بتغريدة يعلن فيها انه تم فقد الاتصال بالجنود المسؤولين عن حماية الاسري، وان مصير الاسري اصبح مجهولاً، لينفجر الشارع الإسرائيلي والصحافة غضباً في وجه نتنياهو.
4- الصفقة الأخيرة
بدأت التقارير الصحفية العبرية تنشر تسريبات عن الموقف الضعيف جداً لجيش الاحتلال داخل (قطاع غزة)، وأن الجيش الإسرائيلي بعد أكثر من 40 يوماً من الحرب البرية لم يستطع الوصول الي اسير واحد حتي، وبدأت تعلو أصوات داخل الكيان المحتل تطالب بالإطاحة بالحكومة الإسرائيلية بقيادة (نتنياهو)، متهمين الجيش والحكومة بإهمال الاسري وتعريض حياتهم للخطر.
وأصبحت الحكومة الإسرائيلية مضطرة الي قبول الصفقة الأخيرة التي وضعت شروطها (حماس)، وهي 50 اسير إسرائيلي من النساء والاطفال مقابل 150 اسير فلسطيني من النساء والأطفال، وسيتم تسليم هؤلاء الاسري علي دفعات يومية، بالإضافة الي هدنة عسكرية لمدة 4 أيام، وايضاً بالإضافة الي دخول مئات شاحنات المساعدة الي داخل القطاع، وبالفعل اضطرت (إسرائيل) الي قبول الشروط.
كان من المفترض ان تكون الهدنة بدايتها من يوم الخميس الموافق 23 نوفمبر الساعة العاشرة صباحاً، ألا ان (حماس) وضعت شرطاً جديداً في الصفقة وهو مخطط من الجيش الإسرائيلي لسير دباباتهم داخل قطاع غزة، مما ادي الي تأجيل تنفيذ الاتفاق الي يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر الساعة الثامنة صباحاً.
ماذا بعد الهدنة في قطاع غزة:
ما صرح به الجيش الإسرائيلي بأن العمليات العسكرية في (غزة) ستستمر بعد أيام الهدنة الأربعة، وستظل العمليات العسكرية قائمة حتي استعادة كل الأسري الإسرائيليين، والقضاء علي النظام المسلح في القطاع.
ولكن صحيفة (يدعيوت احرنوت) العبرية قد خرجت بتقرير صحفي تقول فيه ان الجانب الإسرائيلي يتمني فترة هدنة أطول تصل الي 10 أيام، حتي يستجمع الاحتلال شتات امره عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، كما خرج (أبو عبيدة) المتحدث العسكري باسم “كتائب القسام” في خطاب مصور يوم الخميس 23 نوفمبر ليؤكد ان الاحتلال إذا استمر في عدوانه فإن خسائره ستكون فادحة بشكل أكبر بكثير من الخسائر الحالية.
وعلي الرغم من التهديدات اليمنية والإيرانية واللبنانية للاحتلال إذا استمر في هذا الهجوم الهمجي علي المدنيين في (قطاع غزة)، الا ان الظاهر ان الاحتلال سيستمر في هجومه علي القطاع، وذلك لحفظ صورته التي أصبحت في قمة الهشاشة امام كل العالم.
وكما قال الله سبحانه وتعالي ” قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” وهذا ما نراه في المعارك في غزة، والتي كبدت الاحتلال اكبر الخسائر التي ما يكن يتخيلها اكثر الإسرائيليين تشاءماً، وتعيد فتح القضية الفلسطينية الي الساحات مرة اخري.
موضوعات تهمك:
ماذا حققت معركة طوفان الأقصى لفلسطين؟
هل تضر المقاطعة بالاقتصاد المصري؟