موضوعات متنوعة

حكايات ساخرة

الأدب الساخر من أهم الأنواع الأدبية وخصوصاً في ظل الواقع المرير الذي نعيشه والذي يجعل كل أديب وكاتب يملك أدوات جيدة للكتابة الساخرة يوظفها لنقد العديد من الظواهر السلبية التي نعيشها.

لذا إخترت لكم اليوم بعض الحكايات الساخرة للكاتب السوري إبراهيم خريط أرجو أن تنال إعجابكم….

ديمقراطية

بعد أن اعتلى منبر الخطابة، واحتكر لاقط الصوت ساعة من الزمن، تحدث فيها عن نفسه، وأسهب عن تضحياته، وعن ضميره الواعي… عن إخلاصه وأمانته ووفائه. وبعد أن عدّد مزاياه وخدماته وقدراته. اعتذر من الحاضرين بلطف، وقال:
– لقد تكلمت عن نفسي. وإذا كنتُ قد أطلت فهذا أمر له مايبرره…
ثم أضاف مبتسماً:
– ولأنني ديمقراطي، لن أنفرد بالحديث عن نفسي…
ولهذا أترك المجال لكم.. للحديث … عني.

دورة

في بلدة نائية، استقبل مدير المركز الثقافي وفداً نسائياً، وكعادته، عندما يزوره وفد رسمي، طاف به على أقسام المبنى، الصالة، المسرح، المكتبة، والدورات التعليمية والتثـقيفية.
وفي مكتبه، تربع على عرشه، وأمسك بيده قلماً، يشير به عندما يتكلم، وينقله من يد إلى أخرى.
رحّب بأعضاء الوفد مرة ثانية، وثالثة، وعدّد لهن نشاطاته وإنجازاته وخدماته…
وفي حديثه، يذكّر المؤّنث ويؤّنث المذكر.. يقلب الماضي حاضراً، والحاضر ماضياً، تعانده بعض الحروف وتستعصي على النطق.. تتغير معاني الكلمات فتأتي مبهمة أو مثيرة للضحك والاستغراب.
أسهب في الشرح والتفصيل، كرر ماقاله مرات عديدة فمالت إحدى النساء إلى جارتها وقد بدا عليها الضيق وهمست في أذنها باستحياء:
انتبه إليها وقال سائلاً:
– ماذا تريد الأخت؟! هل من سؤال؟!
احمّر وجهها، عضّت شفتها السفلى، وأطرقت برأسها إلى الأرض بخجل.
كرر السؤال بإلحاح، فقالت جارتها بحياء بعد تردد:
– إنها تسأل.. إن كانت لديكم… دورة.. أقصد دورة مياه؟!
انتصب فوق عرشه، نفخ صدره ورفع رأسه عزّة وشموخاً وقال مشدداً على مخارج الحروف:
– شوفي يارفيقة.. لدينا دورة محو أمية، ودورة خياطة، ودورة آلة كاتبة، وأخرى لقص الشعر والتجميل.. وأنا أعدك، بصدق، أن أفتح لكنّ دورة مياه، إذا توفر العدد المناسب.

[/b][/color] ضوء أحمر

الضوء الأحمر يضيء فوق بابه، منذ الساعة الثامنة صباحاً إلى الثانية ظهراً، إلا في أوقات نادرة. والحاجب الذي يقف أمام بابه مثل كلب الحراسة، يعرف تماماً أنه ينفرد وحيداً بنفسه في المكتب إذا لم يكن خارج الدائرة ومع ذلك، يقول لمن يسأل عنه: السيد المدير عنده اجتماع.. عنده اجتماع.. ألا ترى النور الأحمر؟! فقد بلغه وأكّد عليه أن لا يسمح لأحد بالدخول إلا إذا كان من ذوي الشأن، وعليه قبل ذلك أن يدق الباب دقات خفيفة بإيقاع معين.
وفي الدائرة، بدأت الألسن تنسج حوله قصصاً وحكايا، منذ أن اعتلى عرش الإدارة وتربع على الكرسي الدّوار فهمْ يقولون إنه يقصد من وراء ذلك أن لا يجعل من المكتب مضافة للزوار، واستراحة للأصدقاء والمعارف، كالمدير السابق، الذي انتهى به المطاف موظفاً بلا وظيفة، تحت تصرف السيد المحافظ، ريثما يجدون له زاوية يركنونه فيها.
ويعتقد بعضهم أن شخصية الرجل معقدة، فهو انطوائي بطبعه، متكبر، مغرور، وربما يعاني من عقدة نقص يحاول أن يعوضها. ويرى آخرون أنه يسعى، بموقفه هذا، أن يفرض هيبته على المرؤوسين قبل المراجعين. فمن لا كرامة له في داره لا كرامة له خارج داره.
ما رآه أحد منهم يوما ضاحكاً أو مبتسماً. فهو مقطّب عابس دائماً، يتكلم بقدر ويصدر أوامره وتعليماته بقدر، لا يرد التحية على أحد، لا يستقبل مراجعيه إلا في ساعات محددة،
يجيب بكلمات مقتضبة، وقد يكتفي بإيماءة أو إشارة.. فإن سألوا صرخ في وجوههم واتّهمهم بالغباء والبلادة، ووصفهم بنعوت غير لائقة.
أثناء مروره على أقسام الدائرة، يتبعه مستخدمه الخاص الذي يسرع إلى إشعال لفافته كلما دسها في فمه.
وكثيراً ما رقّت قلوب الموظفين والمراجعين على زوجته التي لا يعرفونها. وتساءلوا: كيف تحتمل امرأة في هذا الزمان رجلاً قاسياً جلفاً غليظ القلب كهذا.
الأمر الذي يحيّرهم ولا يجدون له تفسيراً، أنه يغادر الدائرة في الساعة الواحدة، أو قبل ذلك، أغلب الأيام.. يقول لرئيس مكتبه: عندي مهمة، ربما أتأخر وقد لا أعود. وغالباً لا يعود.
لا يعرف أحد أين يذهب وأية مهمة خطيرة تنتزعه من كرسيه الدوار قبل نهاية الدوام.. وهذا ما أثار شكوكهم وزرع الرهبة في قلوبهم.
فقد يكون للرجل مداخلاته التي يجهلونها، وقد يكون على صلة بإحدى الجهات، التي يثير ذكرها الخوف في النفوس والرعشة في المفاصل والأوصال، وقد.. وقد…
ذات صباح، همس مدير مكتبه في أذنه، وهو يهم بالدخول:
-سيدي.. تزورنا اليوم لجنة تفتيشية. لقد اتصلوا بنا من المحافظة، وبلغونا..
ارتسمت على وجهه علامات جد واستفهام. نادى حاجبه وقال له: دع الباب مفتوحاً.. ولا حاجة للضوء الأحمر.
ذلك اليوم لم يعد إلى بيته إلا بعد الثانية والنصف… زوجته تسترخي على مقعد وثير، بثوبها الحريري الرقيق أمام التلفزيون، تطلي أظافرها، بعد أن خرجت من الحمام، وصبغت شعرها ووجهها بالألوان والمساحيق.
رمته بنظرة لوم وتأنيب، وهي تنظر إلى الساعة وتشير بيدها مستفسرة مستنكرة.
وقف أمامها كطفل يشعر بالذنب، أو كتلميذ قصّر في أداء واجبه المدرسي. وقبل أن يضع المئزر على وسطه ويدخل المطبخ قال متلعثماً بصوت ضعيف:
-لا عليك يا حبيبتي.. تأخرتُ اليوم، كانت عندنا لجنة تفتيشية… دقائق وتكون المائدة جاهزة.

كمبيوتر

كعادته، أول كل شهر، عاد إلى البيت متوتر الأعصابّ، متجهم الوجه.. يكلّم نفسه.
قال لزوجته وهو يضع في يدها بعض النقود:
-هذا ما بقي من الراتب. دفعت للبقال واللحام وأجرة البيت، و… وعلينا أن نتدبر أمورنا ثلاثين يوماً بهذه القروش القليلة.
تناولتها الزوجة بقرف، وقالت:
-ماذا نفعل بها؟ مصروف البيت، والالتزامات التي أجلناها!. والديون.. و…!
قاطعها بقناعة يائسة:
-ما الجديد في الأمر؟! هذا حالنا دائماً. اعتدناه حتى مللنا الحديث عنه.
قالت الزوجة:
-جارتنا.. بالأمس اشترت سوارين من الذهب، وزوجها موظف مثلك.
ابتسم الزوج ولم ينطق بكلمة.
أضافت: وفي الشهر الماضي غيرت أثاث البيت.
صمتت لحظة ثم أضافت:
-تقول جارتنا إن زوجها لا يمد يده إلى المال الحرام..
قال بنبرة حادة:
-دعينا منها ومنه.
ألحّت قائلة: لماذا لا تحاول أن تحسّن ظروفك؟!
نظر إليها بغضب، فاستدركت:
-لا أقصد سوءاً.. ما أعنيه، هو أن ننظم مصروف البيت.
-كيف.. ؟
-أنت تعمل في قسم الكمبيوتر، وهذا الجهاز، كما أسمع، ينظم موازنة الدائرة بكاملها. فلماذا لا ينظم لنا موازنة البيت؟
قال لها: أنت تمزحين.
قالت: لا. أنا جادة فيما أقول.. نكتب قائمة بالدخل، والنفقات الضرورية.. الضرورية فقط… يعني أجرة البيت، والطعام واللباس والماء والكهرباء، ونضيف إليها، بصورة تقريبية، ما قد ندفعه للطبيب، والدواء، والحالات الطارئة. ونلقنه هذه المعلومات.
ضحك الزوج وقال ساخراً:
-يا امرأة.. حتى الكمبيوتر يعجز عن الموازنة بين الدخل والإنفاق، لموظف مثلي وأسرة مثل أسرتنا. كم مرّة حاولنا ذلك بالورق والقلم وفشلنا!.
وتحت إلحاحها الشديد، وافق على طلبها. فكتبت كل المعلومات المطلوبة، وقالت له:
-أدخل هذه البيانات في الجهاز.. لعلّ وعسى.
هاله ما رآه من أرقام، فقال ساخراً:
-ربما نسيت شيئاً.. تذكّري.
قالت مستدركة: نعم.. نعم، أريد أن أضيف إليها…
قاطعها وهو يطوي الورقة ويضعها في جيبه:
– لا تضيفي شيئاً. هذا يكفي.
في اليوم الثاني.. سُمعت، في قسم الكمبيوتر، ضجة كبيرة، وصرير وأنين، ويقول بعضهم إنه سمع بكاء وعويلاً، تلاه انفجار عنيف ودخان كثيف، وألسنة نيران عجزت فرق الإطفاء عن إخمادها.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. [size=”5″][color=”purple”]

    جزاك الله خيراً
    بجد عملتي فيا معروف إنك ضحكتيني في يوم زي النهارده

    وبالمناسبة فكرتيني بكام قصة قصيرة جدااا
    من النوع ده كتبتهم زمان
    شجعتيني أدور عليهم

    أشكرك بشدة على الموضوع اللي جه في وقته

    [/color][/size]

  2. ههههههههههههههه
    حلوة أوي بتاعة الكمبيوتر
    تحفة بجد
    و القصص كلها أصلا حلوة و لذيذة
    تسلم الأيادي رورو
    ^ـ^

  3. [color=”darkorchid”]بسم الله الرحمان الرحيم
    قصص حلوة برشة برشة
    تسلمي أم جنان وربنا لا يحرمنا تواجدك الغالي
    ألفة [/color]

  4. [color=blue][b]تسلميلي نانو[/b][/color]
    [color=blue][/color]
    [color=blue][b]ألف شكر لطيب مرورك[/b][/color]
    [color=blue][/color]
    [color=blue][b]رواء[/b][/color]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى