الإنسانيه اليوم
الإنسانية اليوم للكاتبه سارة العتيبي
“إن أزمة الإنسانية الآن، و في كل زمان هي أنها تتقدم في وسائل قدرتها، أسرع مما تتقدم في وسائل حكمتها ”
لا تبنى أمة دون أبنائها، و لا تتفوق أمة دون تنشئة أفرادها على القيم الرفيعة النبيلة، حين نستعرض التاريخ نجد أن امبراطوريات و ممالك و حضارات عظيمة كانت في أوج قوتها و عز سلطانها الا أنها سقطت فيما بعد، و حين التحقيق في أسباب اندثار أي حضارة عبر التاريخ سنجد أن المسبب واحد… الإنسانية
ليست الإنسانية حفنة من المشاعر و الأحاسيس التي يجب على الفرد أن يشعر بها و يعمل وفقها كي يسمى إنساناً، إنما هي طريقة عيش و أسلوب حياة و عماد تبنى عليه العلاقات الاجتماعية بدءاً من أصغر وحدة مجتمعية و هي المنزل و الأسرة وصولاً للعالم بأكمله .
من المؤسف في أيامنا هذه أن المجتمع و رغم كل التطور و الحداثة التي حققها و نجح بها إلا أنه ما يزال بعيداً عن المفهوم الحقيقي و المعنى الجوهري للإنسانية، بمعناها السامي الرفيع الذي يحتاجه العالم للبقاء على قيد الحياة .
كل مشكلة مجتمعية نعاني منها سواء في مجتمعاتنا العربية أو العالمية أساسها و مردها إلى فقر المعرفة لدينا بخصوص الإنسانية الحق و كيف تكون إنساناً فاعلاً تبني مجتمعك على أسس صحيحة، و ما زاد الفجوة بيننا و بين الوصول لإنسانيتنا هي وسائل التكنولوجيا و الحداثة التي توافرت تقريباً في كل منزل، و لحاق الناس بركب هذه التكنولوجيا و انشغال البشر جميعاً بأمور العمل و المال و الربح حتى ابتعدنا رويداً رويداً عن كوننا إنسانيين قبل أن نكون ناجحين .
إلا ان أخطر ما تحمله هذه المشاكل في طياتها هي سوء معاملة من كان الأحق و الأجدر بالإنسانية و الرحمة؛ الأطفال و النساء، يعانون اليوم رغم تشدق مجتمعاتنا بكلمات كثيرة و كثيرة إلا أنها عبارة عن أبواق فارغة تصدح بما هو غير موجود، مفاهيم مثل المساواة، العدالة، الحب، الرحمة، حقوق الأطفال، التربية… و غيرها الكثير، تنتشر بشكل كبير و تكاد تسمعها في كل مرة تفتح فاهك و تريد النطق و تسليط الضوء على مشاكل يتعرض لها الأطفال أو النساء على حد سواء، المخيف في الأمر أن من يمارس اللاإنسانية و الظلم و القسوة بحق هؤلاء الأطفال هم انفسهم غير مدركين للكارثة التي هم بها، و يظنون انهم على الصراط المستقيم و انهم يعملون وفق التعاليم الإنسانية و الحقوق المشروعة التي يخالون انهم يؤدونها تجاه أطفالهم .
العنف الأسري، عمالة الأطفال، الظلم و الجرائم التي تحدث كل يوم بحق أطفال مجتمعنا خصوصاً في المجتمعات الفقيرة التي تحتاج للمساعدة، أمور مرعبة بحق!! حين تكون على تماس مع أرض الواقع و ترى ما الذي يحصل فعلاً، لن تصدق أن هذا هو المجتمع الذي تعيش فيه، أطفال تظلم و تعذب و نساء تضرب بغير حق من اجل إرضاء ال(أنا) عند بعض الأفراد، إلا ان المؤسف هو أن هذه المشاكل و بجزء ليس بالقليل منها، تقع في المجتمعات الفقيرة حيث لا حول و لا قوة للمستعبد و المظلوم، و ظروف الحياة التي و إن كانت ليست بالحجة لظلم طفل أو أم إلا أنها تؤثر على بعض الأفراد و تدفعهم للمارسات الخاطئة بحق عائلاتهم في المقام الأول .
العصر الذي نحن فيه هو عصر وسائل التواصل الاجتماعي، علينا الاعتراف بذلك و الإذعان له، و للأسف و كما أن لكل شيء حدين، فإننا و بشكل كبير نسيء استخدام هذه التقنيات التي بين أيدينا، ترى الشائعة تنتشر كالنار في الهشيم حين تطلق على أحد منصات التواصل الاجتماعي و تجدها بين ليلة وضحاها أصبحت ترنداً مشهوراً و حديثاً لكل أفراد السوشيال ميديا، بينما المشاكل التي يجب علينا التركيز عليها و توحيد الجهود لحلها نراها أصبحت قديمة بالية بالنسبة لهذا الجمهور و غير ذات قيمة لهم، الأهم هو الترند المنتشر حالياً، و من بعده الطوفان .
و صلنا بابتعادنا عن الإنسانية الى مراحل يخشى على مجتمعنا من العواقب الآتية لظلمنا و تكبرنا، ترى وسائل التواصل الاجتماعي و منصاته مليئة بعبارات التنمر على هذا الشخص أو ذاك، محشوة بالإشاعات التي يمكن لأي أحد أن يطلقها ثم تشغل الناس لأيام عديدة حتى تأتي إشاعة أخرى لتحل محلها .
من أكبر مشاكلنا كمجتمع عربي هي أننا نأخذ من الحضارة الغربية الجانب الذي يتعلق بالترفيه و التسلية أو المفاهيم الخاطئة و نترك الجوانب المفيدة العلمية و الإنسانية التي باستطاعتنا استغلالها عبر ما بأيدينا من تقنيات و موارد و إمكانيات متاحة، علينا أن ننظر الى خفايا مجتمعنا و الامور المخبأة و المظلمة بين ثناياه، التي على الرغم من وضوحها و أهميتها إلا أنه للأسف في أغلب الحالات يتم التعتيم عليها و الابتعاد عنها .
تجارب كثيرة و في مجتمعنا العربي بالتحديد أثبتت فيها وسائل و منصات التواصل الاجتماعي دورها الفعال في حل القضايا و توجيه الناس الى مشكلة معينة للعمل على حلها و التصرف بشأنها، الإمكانيات التي توفرها هذه المنصات على اختلافها و تعددها هي إمكانيات هائلة من حيث سرعة نشر الكلمة و توحيد الرأي العام و تعريفه بالحقائق كاملة، على منظمات دعم المرأة و الطفل و المنظمات المجتمعية بشكل عام تركيز المزيد من الجهود و الطاقات في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، تدريب و تأهيل الكوادر المتخصصة في مجال السوشال ميديا القادرة على تحقيق التواصل الفعال سواء مع من يعانون من الظلم و التعذيب من نساء و أطفال و إتاحة إمكانية الوصول إلى هذه المنظمة لأجل تقديم الدعم و المساندة لهم، أو مع أصحاب الأيادي البيضاء الذين يرغبون بالمشاركة في العمل الخيري التطوعي و تقديم المساعدات و الموارد التي تستطيع تحسين وضع الأطفال و النساء في المجتمع ممن يتعرضون لمشاكل من تعذيب او عنف أو ظلم او غيرها، للارتقاء بالمجتمع الى درجات أعلى و قيم رفيعة تساعدنا حين تأخذ مكانها من قلوب و تفكير الأفراد في بناء مجتمع أقرب ما يكون إلى الخير و الفضيلة .
الحل يبدأ بالإنسان نفسه، فكر بنفسك و إن احتجت المساعدة فقم بطلبها عبر من يستطيع تقديمها من منظمات و فعاليات مجتمعية و خيرية، و إن كنت ممن يقدر على تقديم الدعم و المساندة و لو بشكل بسيط فلا تتردد في ذلك، قدم نفسك كمتطوع خيري قادر على التأثير و إحداث التغيير، و لو بالكلمة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، الإنسانية تحتاج التكاتف و التعاضد و التفكير بعقل واحد و قلب واحد، علينا ان نستغل القرب الذي أصبحنا فيه من بعضنا بفضل وسائل التواصل فيما بيننا و العمل على إحداث التقارب و التعاون الحقيقي و الفعال .
لمتابعه جديد الكاتبه ساره العتيبي علي انستجرام من هنا
https://www.instagram.com/fas7a/