لماذا نتمكن من كره أشخاص كنا يوماً نحبهم؟
من منا لم يعش أياماً وذكريات مع أناس أحبهم وأحبوه؟ من منا لم يكن على علاقة عاطفية مع شخص أحبه بحق ووهب كل كيانه من أجل راحته وسعادته؟
من منا لم يكن له صديق يعتبره أكثر من أخ وصاحب؟
فجميعنا لاشك قد أحب ومازال يحب بل ومن وقت لآخر ندخل في علاقات جديدة نخلص لأصحابها ونحبهم، ولكن مع الغوص في بحور معظم تلك العلاقات والمرور بأحوالها المختلفة يظهر لدينا شعور غريب آلا وهو “الكره”.
قد نستعجب ونتساءل لماذا أصبحنا نكره من يوما أحببناهم؟ ولكن يجيب علماء النفس على تلك الحالة بأن السبب في هذه المعضلة يمكن أن يكون نتيجة:-
• الاحتياج: إنه شخص نادر الذي لا يسعى إلى المزيد من الحب، ولكن بالرغم من ذلك نجد لدينا ترددا شديدا بشأن ذلك السعي.
فإن محاولة البحث عن الحب الذي نريده يمكن أن يقابل بالمقاومة الشديدة، ومن ثم تصبح فكرة البحث عن الحب من الأمور المخيفة حقا، وقد تحدثت امرأة يوما عن زوجها ذاكرة “أنا أكرهه بشدة بسبب كيفية احتياجي إليه”.
وكيف يمكنني السماح له بالسيطرة على مشاعري؟ وأنا أكره نفسي لأني وضعتها في موقف ضعف واحتياج، ولكني أشعر أنني فقدت السيطرة، فالحب يمكن أن ينتج الصراعات والخوف وعدم اليقين، وكما ذكرت المقولة القديمة “الحب والكره أمران متلازمان”. • نحن نختار الشركاء الذين يمكننا كرههم: يشعر معظمنا بالخذلان وخيبة الأمل عند النضوج والنمو، فمع عقولنا الطفولية كنا نعتقد أن آباءنا بخلاء لأنهم لم يعطونا قطعة إضافية من الكعك وما إلى ذلك. فقد يتسبب الآباء في أذى كثير لأبنائهم لأنهم بشر غير معصومين من الخطأ، ولكن دون إنكار لحبهم لنا تأتي النتيجة النهائية هي خروج القليل غير متضررين من تلك الحميمية أثناء مرحلة الطفولة.
وهذا لا شك قد يسهم بشعورنا بالضجر والتناقض حول علاقتنا المستقبلية، ونظرا لأننا نريد أن نُحِب ونُحَب ولكن دون الشعور بالأذى مرة أخرى، فالعديد يختار الشركاء المرضين لهم.
فهم يدخلون في العلاقات الجديدة تاركين قدماً في المياه وأخرى على الرمال، ويختارون الشركاء ذوي العيوب التي يمكنهم الشكوى بسببها ولكن هؤلاء الذين يحافظون على استقرارهم النفسي.
فقد يكون مؤلما حقا وضع كلا القدمين في الماء، لأن ذلك يتسبب في الارتفاع من مستوى الاحتياج إلى مستوى الخطر، فإذا كان الشخص غير قادر على الشعور بالسعادة وحده وخارج علاقات الحب، فإنه يصبح يائسا ويتردد في الشعور بهذا الضعف والاحتياج فنحن نختار الشركاء الذين يمكننا رؤية عيوبهم بوضوح، وقد ينتهي بنا الأمر إلى كرههم لأن هذا ما وضعناه لأنفسنا واخترناه.
• الصراع بين الاستقلال والاعتماد: فواحدة من أغرب الصراعات التي لدينا هي صراعنا بين الاستقلال والاعتماد، فنحن نريد أن يُعتنى بنا ونستاء ممن يقومون بالاعتناء بنا. فهناك تناقض هائل لأننا نريد مالا نريده، وقد ينتهي الأمر بالخسارة المحتمة لأننا نغضب إذا لم يُقدم إلينا شيء، ونصاب بالإحباط عند الاعتماد على الآخرين. على سبيل المثال.. افترض أنك تغوص في أعماق البحار دون امتلاكك لخزان الهواء الخاص بك وتعمل على مقاسمته مع شريكك، فإذا سبح هو على بعد أمتار منك، ما الذي تنوي القيام به؟ تتابع عن كثب وهو سيقوم بالاعتناء بك.
كيف يشعرك ذلك الموقف الآن؟ الاعتماد؟ الغضب؟ عدم امتلاكك لأجهزة التنفس الخاصة بك؟ حسنا.. وبم تعتقد أن يشعر هو؟ بالاختناق؟ هذا ما يحدث في معظم العلاقات إذاً ماذا يمكن فعله الآن؟ فإنه من الجيد أن تشعر بالاحتياج والضعف عند مقابلة شخص ما، وهو الذي يتحكم ولو بقدر بسيط في تلك العلاقة، ومرة أخرى بالنسبة للصراع بين الاستقلال والاعتماد، عليك إدراكه والاعتراف به وتوقعه والاستعداد له.
• الإزعاج: فهؤلاء الذن يشعرون بالحب في أي من العلاقات الإنسانية، يتعرضون لمواقف حياتية لا يتمكن أصدقاؤهم العاديون من رؤيتها، فمعظم الأشخاص يرون الأفعال الصادرة أمام الجميع، ولكن عند العيش مع شخص ما يمكنك رؤية ما خلف الكواليس. فقد تستطيع ملاحظة كل عيب وكل فكرة غير حكيمة وكل فعل أناني، ويمكنك رؤيتهم دون أدوات تجميل وهم في أبشع حالاتهم عند الصباح أو أن تتعرض للمشاهد والروائح التي تقودك إلى قرار التجنب والابتعاد.
فعلاقات الحب جميعها تطلب نوعا من التضحية والتراضي، ولكن الكثير لا يفعلون ذلك عن طيب خاطر فهم يكرهون اضطرارهم للنوم على جانب من السرير لا يعجبهم، أو أكل الأطعمة غير المفضلة والتعامل مع أناس لا يعيرون لهم أي اهتمام والقائمة لا نهائية تقريبا وفي حال عدم معالجة ذلك الشعور يتولد عنه الغضب والإحباط، الذي يتراكم يوما بعد يوم وينمو بعده الكره والاستياء.
فهناك العديد من الحالات والمواقف التي يجد فيها الشخص أنه يكره أحدا كان يحبه، وقد تبدو في البداية أنها حالة من التناقض.. إذن كيف يمكن للمرء أن يحب ويكره نفس الشخص في نفس الوقت؟.
فالتناقش في تلك المشكلة يتطلب التفريق بين الاتساق المنطقي والتوافق النفسي، فكونك تصبح كارها يمكن أن تكون تجربة متناسقة، ولكنها تثير صعوبات تتعلق بالتوافق النفسي.
فالمحبة والكراهية غالبا ما توصف لتكون طرفي نقيض، وفي هذه الحالة فإنه من المستحيل التحدث عن كره أحد كنا نحبه دون الدخول في تناقض منطقي.
فهناك حجتان يمكن أن تثار ضد ذلك الوصف، الأولى أن الحب هو أوسع نطاقا من الكراهية، والثانية هى أن وجود أنواع مختلفة من المشاعر والعواطف (وأن هناك المزيد من أنواع الحب عن الكره)، وأن كل نوع لا يمكن أن يكون العكس تماما من أنواع العاطفة الأخرى.
الحب والكره هما أمران مستقلان أكثر من كونهما مشاعر وتجارب متناقضة، فهم يتشاركان في بعض الجوانب ويختلفان في الجوانب الأخرى، ففي ضوء الطبيعة المعقدة للحب والكره، قد يبدو الأمر طبيعيا عند وصف الأشخاص لعلاقتهم سواء في الحالتين أن يشيروا إلى تجارب وأحوال مختلفة، فالصعوبة التي تنشأ نتيجة الشعور بالكره تجاه شخص أحببناه يوما، تتمثل في صعوبة التعامل مع التنافر العاطفي العميق.
وعلى الرغم من وجود مشاعر مختلطة فليس بالضرورة أمرا محيرا، ولكن وجود مختلف المشاعر العميقة والشاملة كالحب والكراهية تجاه نفس الشخص تبدو غير متوافقة نفسياً.
من ناحية أخرى يصف الأشخاص مشاعرهم في الحب والكره، عندما تركز الظروف على تغير الاهتمامات في ظل الظروف المختلفة وبالتالي التغير في الأحوال العاطفية.
وفي ضوء تلك القضية يذكر Nat King Cole سبب الكره في مقولته التي يقول فيها ” في بعض الأحيان أحبك، وأحيانا أخرى أكرهك، ولكني عندما أكرهك هو لأني أحبك”.
ويمكن تفسير تلك الحالة استنادا إلى أن التجارب العاطفية متغيرة ومتحركة، فضلا عن دور الظروف الخارجية والشخصية المختلفة التي تغير من الشعور العاطفي تجاه نفس الشخص.
فالحب يمكن أن يكون أرضا خصبة لنشوء الكره، وعندما تتحول شدة وحميمية الحب كي تصبح لاذعة، هنا يتولد الكره فلك أن تتخيل مثال الرجل الذي يقوم بقتل زوجته، فأي رجل لم يقتل زوجته أو يغار عليها لأنه يكرهها.. بل لأنه يحبها.
لاشك أن الحب يمكن أن يصبح خطرا للغاية، وأن الناس يرتكبون أبشع الجرائم باسم الحب، فالادعاء بأن وجود الحب والكره في آن واحد هو أمر يصعب شرحه، وهنا يستوجب فهم كيفية توجيه شعورين مختلفين تجاه نفس الشخص في نفس الوقت.
فقد نجد امرأة تقول إنها تحب زوجها كثيرا ولكنها تكرهه نتيجة خداعه وخيانته لها، وتبعا لذلك نجد من يقول “أنا أحبك وأكرهك في نفس الوقت” وفي سياق مماثل نجد أن شخصا غير متزوج يحب امرأة متزوجة، ولكنها يكرهها لأنها فضلت البقاء مع زوجها وعدم الانفصال.
وبالمثل قد نكره شخصاً لأننا نحبه وغير عاجزين عن تحرير أنفسنا من ذلك الحب، أو لأننا لا نُقابل بحب مماثل، ومن المثير للاهتمام ملاحظة رغبتنا في الحصرية والتفرد التي تنشأ في الحب الرومانسي وليس في الكره، لأنه على النقيض في الكره نريد أن نتشارك في الموقف السلبي مع الطرف الآخر.
وجملة القول من أجل حسم الأمور أن كرهنا لشخص ما كنا يوما نحبه يمكن أن يكون مقبولا من الناحية المنطقية؛ لأنه لا ينطوي بالضرورة على وجود تناقض، ولكن تلك الظاهرة تشتمل على وجود تنافر عاطفي عميق واقع بداخلنا.
وأخيرا كي لا أطيل عليك.. يمكنني القول بأن الكره هو حالة لا تنشأ من فراغ، ولكن لابد من وجود أصول وجذور عميقة على اتصال بها معظمها يتعلق بالطرف الآخر الذي دفع إلى الشعور بالكره.
ومن خلال تجارب الخبراء أستطيع الجزم بأن الكره يعتبر حالة مؤقتة مهما طالت مدتها، ولأن الإنسان اتصف بالنسيان، فمن المؤكد أننا يوما سننسى كره ذلك الشخص والعلاقات المستقبلية ستلعب دور البطولة في ذلك.
والآن أترككم مع التفكير في حب جديد والنظر إلى الأمور بشكل أكثر عقلانية، ونصيحتي هي آلا تسود قلبك بكره من لا يستحق، بل نقه واجعله مستعدا لحب من يستحق ويقدر سعة قلبك وصفاؤه.