لبيك لا شريك لك
توحيد الله وإفراده بالعبادة دون ما سواه هو أساس الدين، وقطب رحاه الذي تدور عليه جميع العبادات والأعمال.
فمن أجل التوحيد خلق الله الخلق{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات 56 ) ، قال ابن عباس : أي ” ليوحدون ” ، ومن أجله بعث الله الرسل وأنزل الكتب قال سبحانه : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ( النحل 36 ) ، ومن أجله جردت سيوف الجهاد ، وقام سوق الجنة والنار ، وانقسم الناس إلى شقي وسعيد ، وبر وفاجر ، ولذا جاءت نصوص الشرع بتعظيم أمر التوحيد ، والتحذير من أي شائبة تشوبه أو تخدش جنابه .
ومن أهم القضايا التي جاء الحج ليرسخها في القلوب ، ويغرسها في النفوس قضية توحيد الله عز وجل ، بل ما شرع الحج ، وما أمر الله ببناء البيت إلا من أجله ، قال سبحانه : {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود } ( الحج 26) ، وحذر سبحانه في ثنايا آيات الحج من الشرك ورجسه ، فقال سبحانه : {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به }(الحج 30-31 ) .
ولو تأملت أعمال الحج لوجدت العناية بالتوحيد ظاهرة جلية ، فالتلبية – التي هي شعار الحج – تضمنت إعلان التوحيد وإفراد الله وحده بالعبادة والتوجه والقصد ، على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية حين كانوا يعلنون الشرك ويجاهرون به في تلبيتهم فيقولون : ” لبيك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك ” ، يقول جابر رضي الله عنه ، وهو يصف حجته – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح مسلم : ( فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) .
وفي ركعتي الطواف يقرأ الحاج والمعتمر سورتي الكافرون والإخلاص اقتداء بنبيه – صلى الله عليه وسلم – ، ولأن فيهما إعلاناً للتوحيد وبراءة من الشرك وأهله ، قال جابر رضي الله عنه فقرأ فيهما بالتوحيد و{قل يا أيها الكافرون } رواه أبو داود ، وفي رواية : قرأ في ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص :{ قل يا أيها الكافرون }و{قل هو الله أحد } .
وفي المواطن التي كان أهل الجاهلية يتخذونها محلاً للشرك وعبادة غير الله ، حرص عليه الصلاة والسلام على إعلان التوحيد فيها ، فدعا على الصفا والمروة بالتوحيد ، يقول جابر رضي الله عنه : ( فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، قال مثل هذا ثلاث مرات حتى أتى المروة ففعل كما فعل على الصفا ) رواه مسلم .
وفي يوم عرفة كان أكثر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ) رواه أحمد .
وحرص صلى الله عليه وسلم في حجته على مخالفة المشركين في كثير من شعائر الحج وأحكامه ، فوقف مع الناس بعرفة ، مخالفاً بذلك كفار قريش الذين كانوا يقفون في مزدلفة ويقولون : ” لا نفيض إلا من الحرم ” ، وأفاض من عرفة بعد غروب الشمس مخالفاً للمشركين الذين كانوا يفيضون قبل غروبها ، وكان أهل الجاهلية يدفعون من المشعر الحرام ( مزدلفة ) بعد طلوع الشمس وكانوا يقولون : ” أشرق ثبير كيما نغير ” ، فخالفهم عليه الصلاة والسلام ودفع قبل أن تطلع الشمس ، وفي خطبته في حجة الوداع أبطل – صلى الله عليه وسلم – أعمال الجاهلية ورسومها فقال : ( ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع )رواه مسلم .
فهذا كله يؤكد ارتباط هذه الشعيرة العظيمة بقضية التوحيد ، فهل حقق معنى الحج من توجه إلى الموتى وأصحاب القبور بالدعاء والمسألة والذبح وغيرها من أنواع العبادة ، أو اعتقد أن أحداً يملك الضر والنفع مع الله عز وجل ؟! وهو القائل سبحانه : { ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } ( فاطر 13، 14) ، هل فقه معنى الحج من تعلق بالسحرة والمشعوذين والدجالين ظناً منه أنهم يعلمون شيئاً من أمور الغيب ؟! ، هل فقه معنى الحج من تحاكم إلى غير شرع الله ، أو اعتقد أن أحداً غير الله يملك التشريع والتحليل والتحريم للناس ؟! ، والله جل وعلا يقول : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } ( الشورى 21 ) ، ويقول : { ألا له الخلق والأمر } ( الأعراف 54 )، هل فقه معنى الحج من والى أعداء الله، أو تشبه بهم في خصائصهم وأخلاقهم وسلوكياتهم ؟! .
إن ذلك كله مما ينافي حقيقة هذه الشعيرة العظيمة، بل هو تناقض وازدواجية يجب على الحاج أن يتنزه عنها، فاجعل – أخي الحاج- قضية التوحيد نُصب عينيك وأنت تؤدي المناسك ، حتى يكون حجك مبروراً وعملك صالحاً مقبولاً.
[/FONT]