فن التعامل مع الأبناء، تعد التربية فنًا يتطلب مهارات وممارسات دقيقة لبناء علاقة صحية ومثمرة بين الآباء وأبنائهم. إن فن التعامل مع الأبناء يتجاوز مجرد تقديم الرعاية الأساسية، فهو يتضمن بناء علاقة قائمة على الحب، الثقة، والاحترام المتبادل. يعد دور الوالدين في حياة أبنائهم حيويًا ومؤثرًا في تشكيل شخصياتهم، وتوجيهاتهم، وتفكيرهم، مما يجعل فهم فن التعامل معهم أمرًا أساسيًا لتحقيق تربية إيجابية.
يعتبر فن التعامل مع الأبناء عملية معقدة تتطلب التوازن بين توفير الإرشاد والتوجيه، وبين دعم استقلاليتهم وحرية التعبير. يتضمن ذلك استخدام أساليب تواصل فعالة، تبني استراتيجيات تربوية مدروسة، وفهم احتياجاتهم العاطفية والنفسية. من خلال تبني منهجية تتسم بالصبر والتفاهم، يمكن للوالدين أن يساعدوا أبنائهم على تطوير مهارات الحياة، وبناء ثقتهم بأنفسهم، وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.
في هذه المقدمة، سنستعرض أبرز أساليب فن التعامل مع الأبناء وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية، مع التركيز على أهمية التواصل الفعّال، التفهم، وإرساء القيم الإيجابية. سنتناول أيضاً كيفية تهيئة بيئة داعمة تحفز النمو الشخصي وتساهم في بناء علاقة قوية ومستدامة بين الآباء وأبنائهم.
فن التعامل مع الابناء إنها كارثة بمعنى الكلمة.. ومصيبة ربما لا نشعر بقدرها وضررها إلا بعد زمن طويل..
وربما يصعب أو يستحيل تدارك آثارها على الأبناء أبدا.. تلك الكارثة هي إهمال الأبناء في الصغر والانشغال عنهم والتقصير في احتضانهم والقرب منهم ونقل الشعور بدفء العلاقة معهم. لقد كانت هذه الجفوة بين الآباء والأبناء سببا رئيسا في ضياع مستقبل الكثير من الشباب، وانهيار مشروع رجل محترم وإنسان له قيمة، وتحول ذلك إلى مشروع شاب مجرم أو إنسان فاشل بمعنى الكلمة. إن معنى انشغال الأبوين عن أولادهما وانهماكهما في حياتهما الخاصة وقطع الصلة بالأولاد معناه أن يبحث الأولاد عن بدائل ومصادر أخرى يستمدون منها التوجيه ويسمعون منها كلمات المودة والتقدير والثناء، وفي أكثر الأحيان تكون هذه المصادر منحرفة لكنها تبدو في صورة الصديق الودود أو الصاحب المحبوب مما يجعل الانخداع بها سهلا ميسورا ويكون أثرها مؤثرا مضمونا. هذا ما حدث لصاحب قصتنا وأنا أعلم أن أمثاله في واقعنا كثيرون بل كثيرون جدا ممن نكبت بهم أممهم وبلادهم بدلا من أن يكونوا أعضاء صالحين وعاملين منتجين:
يقول صاحب قصتنا والتي جاءت في كتاب “المراهقون يتحدثون”:
كنت أعيش في أسرة كل عضو فيها مشغول بأمر نفسه.. والدي مشغول بعمله طوال النهار مع جزء من الليل.. والدتي تقضي معظم أوقاتها مع صديقاتها في النادي.. شقيقي الكبير يعمل في الخارج، ونادرا ما يتصل تلفونيا للاطمئنان علينا. لم أجد أحدا في الأسرة أتحدث معه أو أشكو إليه مشاكلي أو همومي. ولذلك لم أشعر أنني سعيد مع أن والدي يمنحني الكثير من المصروف كل أسبوع، وإذا احتجت المزيد فلم أتردد في طلب ما احتاجه من والدتي التي لم تتأخر لحظة في تلبية رغباتي المالية.
لم تكن هناك أية رقابة من الأسرة على سلوكياتي، ولم يسألني والدي في يوم ما أين أذهب أو أين أسهر ومن هم أصدقائي. أما عن أصدقائي فهم جماعة من رفقاء السوء ممن ابتلوا بإدمان المخدرات وتناول الخمور ولعب القمار الذين وجدت عندهم ما افتقدته في البيت؛ فقد كانوا دائما ما يحيطونني بمشاعر المودة والاحترام التي افتقدتها في أسرتي..
هل تعرفون لماذا كل هذا الاهتمام؟ لأنني أستطيع أن أحصل على المال من والدي في أي وقت! وبالطبع كانوا يستطيعون الحصول على كل ما أمتلك من مال وقتما يريدون، ولم أكن أدري أنهم يستغلون علاقتي بهم، ولكني أخيرا أدركت أنهم جماعة فاسدة يسيرون في طريق الهاوية. بعدما اجتزت امتحان السنة الأولى في كلية العلوم بتقدير (جيد) وجدت نفسي بلا هدف، ولم أجد ما أفعله لملء وقت الفراغ الذي كنت أعانية. فشكوت هذا الملل لأحد أصدقائي من أفراد الجماعة وعلى الفور اقترح اقتراحا من الصعب أن أرفضه وهو أن أذهب معه في نزهة بالسيارة على شاطئ النيل مع اثنتين من الفتيات الجميلات.
وعندما حان موعد النزهة وجدت هذا الصديق يقود سيارة فارهة مع الفتاتين الجميلتين حيث ادعي أنهما من أقاربه، واعتقدت في بداية الأمر أنها سيارة والده، ولكني فوجئت بعد ذلك أنه قد سرقها بمفتاح مصطنع وأخبرني أنه سوف يعيدها إلى مكانها بعد انتهاء النزهة.. قضينا وقتا ممتعا، ثم رجعنا في منتصف الليل إلى قواعدنا لاستكمال السهرة في شقة أحد الأصدقاء. وفي اليوم التالي قام هذا الصديق بسرقة سيارة أخرى من أجل نزهة أخرى.
واستمر الحال على هذا إلى أن علّمني كيف أسرق السيارات ثم أعيدها إلى مكانها في آخر الليل. ولكن صديقي لم يقتنع بذلك، بل تطور الأمر إلى أنه لم يقم بإعادة السيارة إلى مكانها، بل اتفق مع تاجر (خردة) على بيع السيارة المسروقة بمبلغ ألف جنيه، ورغبني في الاشتراك معه في تلك السرقات، واقتسمت معه المبلغ فيكون نصيبي (500) خمسمائة جنيها.
ومارست سرقة السيارات وأصبحت حرفتي.. وإلى هذا الوقت لم يكن والدي يعرف أنني تركت الكلية، ولم أرغب على الإطلاق في استكمال الدراسة، وكذلك والدتي التي كانت مشغولة مع صديقات النادي بالحفلات التي لا تنتهي. دق جرس تليفون المنزل لكي يخبر (المتحدث) والدتي أنه قد تم إلقاء القبض عليّ في قضية سرقة سيارة..
انهارت والدتي وسقطت على الأرض مغشيا عليها، فقامت الخادمة بالاتصال بوالدي على التليفون المحمول لتخبره بما حدث. دقائق معدودة وجدت والدي أمامي في قسم الشرطة ومعه المحامي الخاص لكي يخرجني على ذمة القضية، ولكن المحامي لم يستطع إقناع ضباط الشرطة بذلك حتى يتم عرضي على النيابة في صباح اليوم التالي.. وأمام وكيل النيابة اعترفت بما حدث وتم تحويل أوراق القضية إلى المحكمة التي قضت بسنتين سجن.. وعند سماع والدي بذلك الحكم أصيب بالشلل، ولم يعد قادرا على العمل بعد ذلك.
خرجت من السجن لأجد والدي مشلولا قعيد الفراش، ولم يعد لنا مصدر رزق بعد ذلك.. والدتي تركت المنزل لأنها لم تكن قادرة على رعاية والدي.. وكانت ترعاه الخادمة التي لم تتقاضى مرتبها منذ ستة شهور، ولم تترك الخادمة مهمتها في رعاية والدي حتى بعد خروجي من السجن. ماذا أفعل وسط هذه الصراعات الرهيبة مع الحياة؟ اضطررت إلى العمل (منادي سيارات) ولكن ما كنت أحصل عليه من هذا العمل لم يكن يكفي ثمن الدواء لوالدي!
ماذا أقول لكم بعد ذلك سوى أنني كنت أدعو الله تعالى أن يكشف هذه الغمة التي ظلت تلازمني. أدركت أنني كنت مقصرا في حق الله تعالى وفي حق نفسي، فاتجهت إلى العبادة لعل الله سبحانه يخرجني من هذا الجحيم.. واظبت على أداء الصلوات فأحسست بشيء من الراحة النفسية بالرغم من الضائقة المالية التي كنت أعيشها مع والدي المشلول.. إلى أن جاء فرج الله عندما حضر شقيقي من الخارج بعد غيبة طويلة. صمد شقيقي أمام تلك الصدمات، فكان صابرا قويا وحرص على علاج والدي، ويسر الله لنا وتعونا في عم مشروع تجاري صغير أبدأ من خلاله عملا شريفا.
إلى هنا انتهت القصة ولكن لم تنته معها معاناة كثير من الشباب الذين لم تهيئ لهم الأقدار أخا مسافرا أو كريما معاونا أو سبيلا للحياة شريفا، بل ربما خرجوا من السجون ليزاولوا نشاطهم ويكملوا مع السرقة مشوارهم ولتصلى أسرهم وأوطانهم جحيم جرائمهم. وربما لو وجد هؤلاء أبا حانيا أو أما رؤوما أو أخا عطوفا لتغيرت معالم حياتهم ولربما كانوا أمثلة طيبة في العلم والعمل.. ولقد صدق من قال: ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً.
التعامل مع المراهقين يتطلب استراتيجيات خاصة نظراً للتغيرات العاطفية والعقلية التي يمرون بها في هذه المرحلة الحساسة. في هذه الفترة من حياة المراهقين، يصبحون أكثر استقلالية ويبدأون في تشكيل هويتهم، مما يتطلب من الوالدين وأفراد الأسرة الآخرين تبني أساليب فعالة للتواصل والدعم. إليك بعض الاستراتيجيات الأساسية للتعامل مع المراهقين:
- التواصل الفعّال:
- استماع نشط: أظهر اهتمامك بما يقولونه بدون مقاطعة أو إصدار أحكام مسبقة. الاستماع الفعّال يساعد في بناء الثقة ويجعلهم يشعرون بالتقدير.
- التحدث بصراحة: استخدم لغة واضحة وصادقة عند مناقشة المواضيع المهمة. تجنب الأساليب الغامضة أو النصائح التي قد تُفهم بشكل خاطئ.
- إرساء قواعد مرنة:
- وضع حدود واضحة: حدد قواعد سلوكية واضحة ومحددة، ولكن كن مرنًا في تطبيقها بناءً على السياق. المراهقون بحاجة إلى الإحساس بالاستقلالية مع وجود حدود تحميهم.
- مشاركة في وضع القواعد: دع المراهقين يشاركون في وضع القواعد واتخاذ القرارات. هذا يعزز من شعورهم بالمسؤولية ويجعلهم أكثر التزامًا بالقواعد.
- تشجيع الاستقلالية:
- منحهم المسؤولية: امنح المراهقين فرصاً لتحمل المسؤولية واتخاذ قرارات خاصة بهم، مع تقديم الإرشاد والدعم عند الحاجة.
- دعم اتخاذ القرار: ساعدهم على التفكير في العواقب المحتملة لقراراتهم وقدم النصح دون أن تكون متسلطًا.
- التفهم والدعم العاطفي:
- التعاطف مع مشاعرهم: أظهر تفهمك لمشاعرهم وتعامل مع قضاياهم بجدية، حتى وإن بدت لك غير منطقية.
- توفير بيئة داعمة: اجعل المنزل مكانًا يشعرون فيه بالأمان والراحة للتعبير عن أنفسهم ومشاركة مشاعرهم.
- تعليم مهارات حل المشكلات:
- تشجيع التفكير النقدي: ساعد المراهقين على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات من خلال تقديم نصائح بدلاً من حل المشكلات لهم مباشرة.
- تعليم استراتيجيات التأقلم: قدم لهم أدوات واستراتيجيات للتعامل مع الضغوط والتحديات بشكل إيجابي.
- القدوة الحسنة:
- التحلي بالسلوك الإيجابي: كن قدوة في التصرفات والسلوكيات التي تود أن يتبنوها، حيث أن الأفعال غالباً ما تؤثر أكثر من الكلمات.
- التصرف بنزاهة: كن صريحاً وشفافاً في تفاعلاتك، مما يساعدهم على تعلم كيفية التعامل بصدق ونزاهة.
- تقدير النجاح وتعزيز الثقة بالنفس:
- الاحتفال بالإنجازات: قدم التقدير والاحتفال بالإنجازات، الكبيرة والصغيرة، مما يعزز من شعورهم بالنجاح والثقة بالنفس.
- تشجيع الاهتمامات: دعم اهتماماتهم ومواهبهم، مما يساعد في تعزيز شعورهم بالإنجاز والرضا.
- التوازن بين الحرية والرقابة:
- التوازن بين الحرية والرقابة: أعطهم الحرية لاستكشاف حياتهم الخاصة مع الحفاظ على الرقابة المناسبة لضمان سلامتهم.
بتطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن للوالدين وأفراد الأسرة الآخرين تعزيز العلاقة مع المراهقين، مما يساهم في تربية إيجابية ونمو شخصي صحي خلال هذه المرحلة الانتقالية.
في الختام، يُعَدُّ فن التعامل مع الأبناء عملية مستمرة ومتطورة تتطلب التفاني والالتزام من جانب الوالدين. إن بناء علاقة صحية ومثمرة مع الأبناء يتطلب توازناً بين التوجيه والدعم، حيث يجب على الوالدين تقديم الإرشاد الذي يحتاجه الأبناء لتحقيق إمكاناتهم، بينما يوفرون لهم مساحة للنمو والاستقلال.
من خلال التواصل الفعّال والاستماع النشط، يمكن للوالدين تعزيز الثقة والاحترام المتبادل، مما يسهم في خلق بيئة داعمة تشجع على النمو الشخصي وتطوير المهارات الحياتية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تبني استراتيجيات تربوية مدروسة ومبنية على الحب والتفهم يسهم في تشكيل شخصية الأبناء وتعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات.
يظل الهدف الأساسي في فن التعامل مع الأبناء هو تحقيق توازن بين توجيههم وإتاحة الفرصة لهم لاكتشاف أنفسهم. بالالتزام بهذا النهج، يمكن للوالدين المساهمة في بناء جيل قوي ومتمكن، قادر على تحقيق النجاح والرفاهية في حياته. تربية الأبناء ليست مجرد مهمة، بل هي رحلة مستمرة من التعلم والنمو المتبادل، والتي تتطلب من الوالدين أن يكونوا قدوة إيجابية ومصدر إلهام لأبنائهم.
موضوعات تهمك
التربية الايجابية ومدى تأثيرها على الأبناء
أهمية التخطيط المشترك بين الأب والأم فى تربية الأبناء
الأساليب الحديثة في تربية الأبناء
انسجام الآباء يقوم سلوك الأبناء