عموم الرسالة المحمدية
قال ابن كثير في تفسيره: ” قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بُعِثَ محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه ” .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب، وأحلت لي الغنائم . وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ) رواه مسلم، وفي رواية أخرى: ( وبُعِثْتُ إلى كلِّ أحمرَ وأسْود ) .
ولا شك أن هذا نص واضح بعمومية رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنه أرسل إلى الناس كافة، وفي ذلك خصوصية له – صلوات الله وسلامه عليه – دون غيره من الأنبياء .
وقد بيَّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه رسول الله إلى الناس أجمعين بصورة عملية، فأرسل رسله وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، وسائر ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام .
الإنس والجن :
من الآيات القرآنية التي تشهد بأن بعثته ـ صلي الله عليه وسلم ـ لم تكن إلي الإنس وحدهم بل كانت إلي الجن أيضا, قول الله ـ تعالي ـ: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا }(الجنّ: 1: 2 )، وقوله: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }( الأحقاف 29 : 32 ) .
ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات الكريمة: أن رسالة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كانت إلي الأنس والجن, لأن هذه الآيات تحكي إيمان بعض الجن به ـ صلي الله عليه وسلم ـ، كما تحكي دعوتهم غيرهم إلي الإيمان به .
لقد أراد الله – عز وجل – ألا يترك عباده يسيرون في الأرض على غير هدى، فأرسل إليهم الأنبياء والرسل، وفضل بعض الأنبياء على بعض، ورفع بعضهم درجات، ففضل أولي العزم على باقي الرسل، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، قال الله تعالى: { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا }{الإسراء:55}
وإذا كان الله قد خص بعض الأنبياء بخصوصيات، فلا عجب أن يخص محمدا – صلى الله عليه وسلم – بإرساله للخَلق كافة ـ إنسهم وجنهم ـ، وهذا ثابت بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة، ومن ثم فلا طريق إلى الله – عز وجل ـ إلا بالإيمان به واتباعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى لو أدركه موسى وعيسى، وغيرهما من الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لوجب عليهم اتباعه، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ) رواه أحمد .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .
قال ابن كثير: ” والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تُحْصَر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه رسول إلى الناس كلهم ” .