إسلاميات

عقيدة – العقيدة من مفهوم القران والسنة

[RIGHT]بسم الله الرحمن الرحيم
للدكتور محمد راتب النابلسى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ, لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا؛ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رسوله)) [أخرجه مالك في الموطأ] لا نريد عقيدة تأخذ من كتب الإغريق، ولا من أقيسة منطقية محضة، نريد عقيدة مأخوذةً من كتاب الله، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ما الدليل من الكتاب على أن الناس رجلان؛ مؤمن وكافر؟ : أيها الأخوة، بادئ ذي بدء، الناس على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، وألوانهم، ومللهم, ونحلهم، وانتماءاتهم، ومذاهبهم، وطوائفهم، لا يزيدون على رجلين؛ مؤمن وكافر، وهناك أدلة كثيرة من الكتاب، فالله عز وجل يقول: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [سورة الليل الآية: 5-10] كأن الله سبحانه وتعالى جعل الناس فريقين لا ثالث لهما، إنسان صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه العقيدة، بناء على عقيدته السليمة والصحيحة: اتقى أن يعصي الله، ومع اتقائه أن يعصي الله, بنى حياته على العطاء كثمن للجنة، فكان رد الإله عليه أنـه يسره لليسرى، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ الحسنة هي الجنة، وأبرز ما في العقيدة أننا مخلوقون للجنة، وأن الدنيا دار ندفع فيها ثمن الجنة، من خلال معرفتنا بالله وطاعتنـا له، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ العقيدة الفاسدة أنه كذب بالجنة، وآمن بالدنيا فقط، لأنه آمن بالدنيا، ولم يتعدَ نظره إلى غيرها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، لأنه آمن بالدنيا فقط، ليس بحاجة إلى طاعة الله، استغنى عن طاعة الله، ولما استغنى عن طاعة الله, بنى حياته على الأخذ لا على العطاء، وكان رد الإله عليه أنه يسره للعسرى .

هذه حركة الإنسان : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ)) [أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما] والآن: في آخر الزمان تمايز واضح جداً، كان هناك مئات الألوان بين الأبيض والأسود، الآن لونان صارخان، الآن مؤمن أو كافر، محسن أو مسيء، صادق أو كاذب, مخلص أو خائن، هناك تمايز بين الطرفين، ولي أو شيطان أو إباحي، رحماني أو شيطاني، من آهل الآخرة أو من أهل الدنيا، يخاف من الله أو يخاف ممن سواه، يسعى للآخرة أو يسعى للدنيا، هذا تمايز واضح كالشمس . انظر إلى هذا المدح الرباني للمؤمن : الله عز وجل في كتابه الكريم مدح المؤمنين أيّما مديح، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [سورة السجدة الآية: 15] يعني آمن بالآيات، لكن أعضاءه وجوارحه, أظهرت هذا الإيمان خشوعًا، وسجودًا وإنابة، وبكاء . ما لوازم الكفر, وما لوازم الإيمان؟ : يقول الله عز وجل: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾ [سورة السجدة الآية: 18] الحقيقة: أن خلاف المؤمن الكافر، لمَ لمْ يقل الله عز وجل: أفمن كان مؤمناً كمن كان كافراً؟ من لوازم الكفر الفسق، ومن لوازم الإيمان الاستقامة، ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا﴾ مستقيماً، كمن كان كافراً فاسقاً، ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾ من معاني الإسلام :
المؤمنون ينتمون إلى جهة واحدة، انتماء المؤمنين إلى مجموع المؤمنين، لا تفرقة في ديننا : ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾
[سورة البقرة الآية: 285] في الحقيقة الدين واحد، والدين عند الله الإسلام، ولو قرأتم القرآن الكريم, لوجدتم أن كل الأنبياء من دون استثناء, وُصفوا في القرآن الكريم بأنهم مسلمون، الإسلام له معنى واسع ، وله معنى ضيق، المعنى الواسع: هو الاستسلام لله، إيماناً وطاعةً، والمعنى الضيق: أن تؤمن بالدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وبالقرآن الذي نزل عليه، وبالسنة التي جاء بها، أما كلمة الدين: فتعني الإسلام بمفهومه الواسع، فالله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [سورة آل عمران الآية: 19] انظر إلى محتويات هذه الدائرة : إن الله يثني على المؤمنين: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر الآية: 3] ولكن الإيمان درجات، هناك إيمان لا يجدي، وهناك إيمان مُنْجٍ، وهناك إيمان مُسعد، تصور أن دائرة كبيرة جداً هي دائرة أهل الإيمان، فكل من آمن أن لهذا الكون إلهاً موجوداً، وواحداً, وكاملاً, فهو في هذه الدائرة، لكن إن لم يستقم على أمره, فلا ينفعه إيمانه، كإيمان إبليس تماماً: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ﴾ [سورة صاد الآية: 81] آمن بالله رباً، وآمن به عزيزاً، وآمن به خالقاً، قال: خلقتني، وآمن يوم الآخر: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 14] ما دام إبليس لم يطع الله عز وجل، واستنكف عن طاعته، فإيمانه لا يجدي، إذاً: مَا كلُّ من قال: الله خالق الأكوان ينجيه إيمانه، في هذه الدائرة الكبيرة دائرة صغيرة، هذا الذي آمن وعمل بإيمانه، آمن وعمل بمقتضيات إيمانه، آمن وحمله إيمانه على طاعة الله، هذا في الدائرة الثانية، وفي مركز الدائرة أنبياء الله عز وجل المعصومون، فإما أن يكون الإنسان خارج الدائرة، وهو الكافر والملحد، وإما أن يكون في دائرة الإيمان، لكن إيمانه لا ينجيه، وإما أن يكون في الدائرة الثانية، أي إيمانه ينجيه، وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة مركز فيها أنبياء الله ورسله الذين هم قمم البشر، والقدوة للبشر، والذين عصمهم الله عز وجل، وأمرنا أن نأخذ عنهم .

من أيّ مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان؟ : 1-من الأمن : أيها الأخوة، من أيّ مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان؟ من أمن، اطمأن، يعني ليس من طريق إلى أن تكون آمناً, مطمئناً, متوازناً, راضياً, متفائلاً, إلا أن تكون موصولاً بالله عز وجل، ذاكراً له، لقول الله عز وجل: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [سورة الرعد الآية: 28] مستحيل، وألف ألف أَلف مستحيل أن تسعد وأنت معرض عن الله، لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [سورة طه الآية: 124] من المعلوم عند المؤمن : ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويتمنى السلامة والسعادة، وحينما يتحقق إذا كان موفقاً أن سلامة الإنسان في طاعة ربه، لأن أوامر الله عز وجل بمنزلة تعليمات الصانع، وما من جهة أجدر أن تتبع تعليماتها كالصانع، لأنه خبير، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [سورة فاطر الآية: 14] فالمؤمن لا يسلم إلا بطاعة الله، ولا يسعد إلا بالقرب من الله .

افتح هذا الملف واستنتج : هذه الحياة بين أيديكم, قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [سورة طه الآية: 124] فقال بعض المفسرين: تساءل فما بال ملوك الأرض, والأرض كلها ملك لهم، ما بال أغنياء الأرض، والأموال بين أيديهم, والمعيشة الضنك لهؤلاء، وضيق القلب؟ الغافل عن الله, والعاصي لله، مهما كان قوياً أو غنياً في قلبه ضيق, فيما لو وزع على أهل بلد لكفاهم. قال أحد العارفين بالله: الذي ترك الملك، كان ملكاً، وفر إلى الله عز وجل. وقال بعضهم: لو يعلم الملوك ما نحن عليه, لقاتلونا عليها بالسيوف. الإيمان من الأمن.

لم المؤمن يتمتع بنعمة الأمن على غيره من بني جنسه؟ : ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [سورة الأنعام الآية: 81-82] ما من إنسان على وجه الأرض يتمتع بنعمة الأمن حقيقة إلا المؤمن، لأنه أيقن أنه مع خالق السموات والأرض، وأن الله يراه، والذي يراك حين تقوم : ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [سورة الشعراء الآية: 219] وأن الله سيكافئه، وأن الله يعده بجنة عرضها السموات والأرض، وأن الله يحفظه. من نعم الله على الإنسان : تشتق كلمة الإيمان من الأمن، والأمن أكبر نعمة تسبغ على الإنسان، والدليل هذه الآية: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام الآية: 81-82] 2-من التصديق : تشتق كلمة الإيمان من التصديق، بمعنى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [سورة يوسف الآية: 17] أيْ: وما أنت بمصدق لنا، فإما أن نفهم الإيمان على أنه أمن, وراحة، وتوازن واستقرار، وسعادة, وسلامة، أو أن نفهم الإيمان على أنه تصديق لما جاء به الأنبياء والرسل. المفهوم الشرعي للإيمان : أيها الأخوة، أما المفهوم الشرعي للإيمان: فهو اعتقاد وإقرار وعمل، تعتقد أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً، وأنه موجود وكامل وواحد، وأن أسماءه حسنى وصفاته فضلى، وأنه خلق الإنسان ليسعده، وأن الدنيا دار فيها يتأهل الإنسان لجنة خلقه الله من أجلها، وأنه أرسل الأنبياء والرسل، وأنزل الكتب، وأنه خلق الملائكة، وأن كل شيء بفعله وقضائه وقدره ، هذا هو الإيمان . فالإيمان اعتقاد، والإيمان اعتراف باللسان، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول، والإيمان سلوك، وأداء العبادات، وضبط الجوارح، وضبط الأعضاء، وضبط الدخل، وضبط الإنفاق، وضبط البيت، اعتقاد وإقرار وسلوك، لأن الكفر اعتقاد فاسد، وسلوك منحرف، هناك كفر اعتقادي، وهناك كفر كلامي، وهناك كفر سلوكي . أتريد أن لا يضل عقلك وأن لا تشقى نفسك؟ لك ذلك : أيها الأخوة، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [سورة طه الآية: 123] لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت، لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه : ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [سورة البقرة الآية: 38] لا يخاف مما سيكون، ولا يندم على ما كان، هذه الآية غطت الزمان كله، أنت في هذه النقطة، لا تخشى مما هو آت، ولا تندم على ما فات، اجمع الآيتين، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة؟ . من أين جاءت حقائق الإيمان؟ : أيها الأخوة، حقائق الإيمان جاءتنا عن طريق الوحي، نحن ديننا دين وحي، هناك من يصف الإسلام أنه تراث، الإسلام ليس تراثاً، إنه دين الله، هناك من يصف النبي بأنه عبقري، النبي نبي، لا ينبغي أن يطرح إلا على أنه نبي يوحى إليه، عندنا مسلَّمات، أساس ديننا الوحي ، وحي من السماء على إنسان معصوم بأحاديثه الشريفة، بيّن دقائق الوحي، وحي من خلال كتاب أنزل على قلب نبي معصوم، وبيان هذا النبي تفصيل لما في الكتاب، هذا هو أصل الدين ، لا هو ثقافة، ولا معطيات بيئة، ولا تفكير فلاسفة، ولا تنظير مصلحين، الدين وحي من السماء، وبيان من معصوم، الكتاب والسنة، وحي الله فيه الكليات، والسنة فيها التفصيلات.

ماذا ينتظر المؤمن إذا آمن بالله عز وجل؟ : 1- أن ينصره الله على أعدائه : أيها الأخوة, المؤمن هو الفائز، هو الناجح، هو الفالح، هو الموفق، هو المتفوق، هو الناجي، هو المعافى، هو المكافئ، ماذا ينتظر المؤمن إذا آمن بالله عز وجل؟ ينتظر المؤمن أن ينصره الله على أعدائه : ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الروم الآية: 47] 2-أن يدافع عنه : والمؤمن يدافع الله عنه : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [سورة الحج الآية: 38] 3-أن يكون وليه : والمؤمن وليه الله : ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [سورة البقرة الآية: 257] آية تركت أثراً في نفسي : استمعت إلى آية قرآنية تركت في نفسي أثراً لا يوصف، الآية تقول: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [سورة محمد الآية: 11] وازن بين ابن له أب من أعلى مستوى، فهم، وعلم، وقدرة، وغنى، وحكمة، رباه أعلى تربية، ربى جسمه، وربى عقله، وربى نفسه، وربى ثقافته، فكان مثلاً أعلى، وتصور ابنًا شاردًا من مخفر إلى مخفر، ومن مكان إلى مكان، ومن سجن إلى سجن، ومن سقوط إلى سقوط، ومن فاحشة إلى فاحشة، الله عز وجل وعد المؤمنين أن ينصرهم على أعدائهم، ووعد المؤمنين أن يدافع عنهم. 4-أن يتولى هدايته : والله سبحانه وتعالى يتولى هداية المؤمن : ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة الحج الآية: 54] 5-أن لا يسلط الكافر عليه : قد وعد الله المؤمنين بألاّ يسلط الكفار عليهم : ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [سورة النساء الآية: 141] من أين الخلل؟ : وازنوا بينكم وبين أنفسكم ، الوعد: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [سورة النساء الآية: 141] إذا كانوا لهم علينا ألف سبيل وسبيل، والوعد أن ينصرنا على أعدائنا، فإذا انتصروا علينا فالخلل فينا، الوعد أن يدافع عنا، فإن لم يدافع عنا فالخلل فينا، الوعد أن يتولانا، فإن لم يتولنا فالخلل فينا، إيماننا ليس في المستوى الذي يستحق تحقيق وعود الله عز وجل. 6-وعده بالاستخلاف : المؤمن وعده الله أن يستخلفه في الأرض : ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [سورة النور الآية: 55] وعدهم بالاستخلاف . 7-وعده بالتمكين : ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ [سورة النور الآية: 55] وعدهم بالتمكن . 8-وعده بالتطمين : ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ [سورة النور الآية: 55] وعدهم بالتطمين، والواقع المؤلم أنه لا استخلاف، ولا تمكين، ولا تطمين، إذاً: الإيمان الذي نحن عليه, ليس في المستوى الذي يستحق أن تتحقق وعود الله لنا. 9-وعده بالرزق الطيب : وعد الله المؤمن بالرزق الطيب : ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة الأعراف الآية: 96] 10-وعده بالعزة : وعد الله المؤمن بالعزة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة المنافقون الآية: 8] أما مشاهد الذل التي ترونها أحياناً من قبل أعداء المسلمين, فهذا شيء يتنافى مع حقيقة الإيمان، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة المنافقون الآية: 8] 11-وعده بحياة طيبة : وعد الله المؤمنين بحياة طيبة : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [سورة النحل الآية: 97] هذه حقيقة الناس : الناس رجلان؛ مؤمن وكافر، ومعنى الإيمان من الأمن، ومعنى الإيمان من التصديق، فالمؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به سواه، والمؤمن مصدق لما جاء به الأنبياء والمرسلون. الإيمان بالمعنى الدقيق: اعتقاد، وإقرار، وعمل، وعود الله للمؤمنين في الدنيا تلوتها على مسامعكم . هذا ما أعد الله للمؤمن في الآخرة : فماذا عن وعود الله للمؤمن في الآخرة؟ قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ [سورة الكهف الآية: 107-108] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سورة لقمان الآية: 8-9] بماذا يزيد الإيمان وبماذا ينقص؟ : أيها الأخوة، لأن الإيمان اعتقاد، ومن لوازم الاعتقاد: الإقبال على الله، والاتصال به، والتوكل عليه، والخشوع في الصلاة، ومحبته، والإخلاص له، الإيمان له مقتضيات، آمنت أن لهذا الكون إلهاً، من مقتضيات هذا الإيمان: أن تتجه إليه، وأن تقبل عليه، وأن تحبه، وأن تلتزم بأمره ونهيه، وأن تصلح شأن عباده، وأن تكون معطاءً خيّراً، لذلك الإيمان يزيد وينقص ، يبدو كحقائق لا يزيد ولا ينقص، الساعة الخامسة، هذه حقيقة ثابتة، لها معنى واحد، لكن الإيمان يزيد وينقص، بمعنى أنك في ساعة إقبال أو فتور، في حالة توكل أو عدم توكل، في حالة حب مع الله، أو في حالة قعود عن طاعة الله، فالإيمان يزيد وينقص، والدليل: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ [سورة الأنفال الآية: 2] طبعاً: الإيمان يزيد وينقص بالإقبال وعدم الإقبال، ويزيد وينقص بما تعرف عن الله عز وجل، فكل شيء عرفته عن الله فهو أكبر من ذلك، وهذا من معاني الله أكبر، يعني الله أكبر مما أعرف عنه، والأصل أن الله عز وجل لا يعرفه إلا الله، فكلما نمت معرفتك بالله عز وجل ازداد إيمانك، وكلما ازداد إقبالك على الله ازداد إيمانك، فالإيمان يزيد وينقص، قد يضعف الإيمان بالشبهات، وقد يضعف بالمعاصي، وقد يقطع المؤمن عن الله عز وجل بقواطع الذنوب، أو بقبائح العيوب، أو بشبهات لم يجد لها حلاً، فالإيمان في الأصل يزيد وينقص .

إليكم هذه الأدلة من الكتاب على أن الإيمان يزيد وينقص : الأدلة: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [سورة مريم الآية: 76] ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَاناً﴾ [سورة المدثر الآية: 31] ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [سورة الفتح الآية: 4] ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ [سورة آل عمران الآية: 173] هذه من مسلَّمات العقيدة، أن الإيمان يزيد، يزيد كلما تأملت في آيات الدالة على عظمته، كلما اطلعت على خبايا هذا الكون, وأسرار هذا الكون، ودقة صنع الله عز وجل، كلما اطلعت على آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ازددت إيماناً، وكلما أقبلت عليه أكثر ازددت إيماناً، ويضعف الإيمان بالشبهات التي لم تجد لها حلاً، أو لم تبحث عن حل لها، يضعف الإيمان بالمعاصي والمخالفات، فالإيمان يزيد وينقص . جدد إيمانك : الإيمان يحتاج إلى تجديد, لذلك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) [أخرجه الحاكم في مستدركه] يزيد وينقص ويتجدد . كيف نفهم هذا الحديث؟ : عَنْ أَنَسٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ, وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والنسائي في سننه] طبعاً: كلٌّ يدّعي أنه يحب الله أكثر من والديه، ومن ولده، ومن الناس أجمعين، ولكن هذا الحديث معناه عند التعارض، لو أن مصلحة بين يديك لا بد من نيلها إلا بمخالفة، فآثرت هذه المصلحة التي بين يديك على طاعة الله عز وجل، فأنت لا تحب الله أكثر من مصالحك, هنا يقول عليه الصلاة والسلام: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ, وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) إذا اعتز الإنسان بأبيه، ولم يكن أبوه على حق, فإيمانه فيه خلل، إذا آثر أن يكون ابنه في مكان عالٍ، ولكن على حساب دينه فإيمانه فيه خلل . إليكم هذا الدليل من السنة على أن الإيمان يزيد وينقص : ومن الدلائل من حديث النبي عليه الصلاة والسلام, على أن الإيمان يزيد وينقص, أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ)) وهذا الحديث من أدق الأحاديث المتعلقة بالدافع الإنساني، أخيه يعني أخاه في الإنسانية ، الإسلام إنساني، وقد تجد بعض البلاد تعامل رعاياها معاملة راقية جداً، أما الشعوب الأخرى فيسحقونها، هذا ليس من شأن الإسلام إطلاقاً، الإسلام إنساني. ((حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ)) أخيه في الإنسانية، لأن المطلق على إطلاقه . هذا قول عمر بن عبد العزيز عن الإيمان : لسيدنا عمر بن عبد العزيز قول رائع يقول: إن للإيمان فرائض, وشرائع, وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان . الإيمان فيه عقيدة، وعبادة، وعبادة تعاملية، وفضائل، هرم العقيدة في أعلى هذا الهرم ، ثم العبادة، ثم التعامل، ثم الفضائل، فمن صحت عقيدته، وأتقنت عبادته، وسلم تعامله، وكرمت فضائله, فقد استكمل الإيمان، الإيمان يزيد . انظر إلى أقوال الصحابة : لقول سيدنا معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة . سماع درس يزيدك إيماناً، الإطلاع على آية كونية يزيدك إيماناً، معرفة حديث رسول الله يزيدك إيماناً . يقول ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، الإيمان يقين، معلومات قطعية، حقيقة مقطوع بها، يؤيدها الواقع، عليها دليل . ويقول ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في صدره، ليس له اضطراب في الأفكار، ولا تردد، ولا ارتياب : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [سورة الحجرات الآية: 15] الريب يتناقض مع الإيمان، الشك يتناقض مع الإيمان، الوهم يتناقض مع الإيمان. ويقول عمار رضي الله عنه: ثلاث مَن جمعهن فقد جمع الإيمان؛ الإنصاف من نفسه ، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار . علامة المؤمن أنه منصف، بل ينصف الناس من نفسه، علامة المؤمن أنه إذا أخطأ يعتذر، ويقول: هذا خطأ مني، ينصف الناس من نفسه، من علامة الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار . وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول: هلموا نزدد إيماناً، معناها دروس العلم، درس تفسير، درس حديث، درس عقيدة، درس سيرة، آيات كونية، سماع خطبة، قراءة كتاب، سماع شريط، هذا يزيدك إيماناً . الآن الإقبال على الله، والاتصال به، وإتقان العبادة يزيدك إيماناً، الاطلاع على الشبهات، ولا تجد رغبةً في حلها يضعف إيمانك، الشكوك والشبهات والمعاصي والآثام تضعف الإيمان، والحقائق واليقينيات والطاعات تقوي الإيمان، فالإيمان يزداد وينقص، والإيمان يخلق في صدر أحدكم، يحتاج إلى تجديد. وفي بعض الأحاديث: ((جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ)) ديننا دين وحي من السماء : أيها الأخوة، كما قلنا قبل قليل: الإيمان مصدره الوحي من السماء، نحن ديننا دين وحي من السماء، والوحي خطاب السماء إلى الأرض، وهناك أدلة لا تعد ولا تحصى على أن هذا القرآن الذي جاء به جبريل من عند الله عز وجل، ونزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نفسه الذي بين أيدينا، دون أن يزيد حرفاً أو حركة، موضوع القراءات موضوع آخر، القراءات احتمال قراءة للرسم القرآني من دون تنقيط، فناداها مِن تحتِها، أو فناداها مَن تحتَها، هذا موضوع آخر، أما النص الذي نزل به جبريل على قلب محمد الأمين عليه أتم الصلاة والتسليم فهو الذي بين أيدينا، فديننا دين وحي، ولهذا البحث تفاصيل كثيرة. إليكم هذه الأمثلة التي تشير على أن الدين الإسلامي وحي من السماء : حينما تحدث الناس في عفة السيدة عائشة، لو أن الوحي من عند رسول الله، بعد ساعة جاءت آية وبرأتها، بقي هذا الاتهام أربعين يوماً، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك أدلة إثبات، ولا أدلة نفي، إلى أن جاء الوحي، لو أن الوحي بيد رسول الله, لجاءت آية بعد خمس دقائق, برئت السيدة عائشة. لو كان الوحي من عند رسول الله, لما ذكر آيات تعاتبه أحياناً، لو أن الوحي يأتيه وهو نائم, لظن أنه حلم، لكنه يأتيه جبريل وهو يقظان . وفي بعض الأحاديث، في أشد أيام البرد يتصبب عرقاً، ولمّا ضمّه ضمةً كادت أضلاعه تختلف، ليس بقضية نائم، أو حلم، أو منام، وهو في أعلى درجات اليقظة, يأتيه جبريل . أيها الأخوة، في صحيح مسلم, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: ((بَيْنَمَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ, إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَاراتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)) [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] نحن ديننا وحي من السماء، أركان الإيمان، أركان الإسلام، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، وعلامة الساعة أن تلد الأمة ربتها، يعني أم صالحة جداً تنجب فتاة، تتعلم هذه الفتاة، فإذا هي تصف أمها بأنه لا تعلم شيئاً، كأن هذه الأم ولدت ربتها، هذا في بعض معاني هذا الحديث. ما أعلى درجات الإيمان؟ : الإيمان درجات، الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)) أعلى مستوى الإيمان أن تكون موحداً، ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى جهة غير الله فاعلة في الكون : ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [سورة هود الآية: 123] ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [سورة الفتح الآية: 10] ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [سورة الزخرف الآية: 84] ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ [سورة الكهف الآية: 26] ما أفضل درجات الإيمان وما أدناها؟ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)) مشى إنسان في الطريق، فوجد شيئاً يؤذي المارة، فدفع هذا الشيء إلى طرف الطريق ، لماذا فعل هذا؟ إيمانه بالله، إنسان يركب مركبة، وهو في طريق سفر، وجد حجرًا كبيرًا، وقف، وأزاح الحجر إلى طرف الطريق، ما الذي دفعه لهذا العمل؟ إيمانه بالله، هؤلاء الذين يزيحون الحجارة من الطريق عباد الله عز وجل، وقد يسبب هذا الحجر حادثاُ مروعاً، إذاً أزاحه . فالإيمان أعلى مستوى فيه أن توحد الله، وأن ترى يد الله فوق أيدي الخلق، وأن ترى الله عز وجل فعالا لما يريد، وأدنى مستوى أن تطعم هرة، أو أن تسقي هرة، أو أن تميط الأذى عن الطريق، هذا أيضاً من الإيمان، والحياء شعبة من الإيمان، والخُلق الحسن من الإيمان، الحياء واللطف والعفو هذه صفات المؤمنين . هذا الإيمان : أيها الأخوة، الإيمان أن تؤمن بالله كما وصف نفسه، من غير تمثيل, ولا تأويل، ولا تعطيل، بل أن تنزه أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى عما لا يليق بجلاله، بل أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى له أسماء وصفات كمّا علّمها النبي عليه الصلاة والسلام، ومصدر كل هذا العلم الوحي الكريم، لذلك وقع الوحي شديداً على النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ [سورة المزمل الآية: 5] كيف كان ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ : يروي الإمام البخاري, عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ)) قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ, وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا . الصلصلة وقوع الحديد بعضه على بعض . ((وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَي فَيَفْصِمُ عَنّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ)) هذا شيء واضح وضوح الشمس. وأخرج البخاري رحمه الله تعالى, في كتاب بدء الوحي, عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ, أَنَّهَا قَالَتْ: ((أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ، وكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذوات الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ ينزع إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ, ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جاءه الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قلت: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: -اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ-)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح] هذا موقف السيدة خديجة بنت خويلد عندما علمت بأمر النبي : أيها الأخوة، بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام الوحي وعاد إلى بيته، أخبر السيدة خديجة، التي كانت سكناً له، انتبه سيد الخلق، سيد ولد آدم، يأتيه الوحي, فيخبر زوجته ما جرى له، أناس كثيرون يرون نساءهم لا شيء، يخبر زوجته بأخطر حدث مر به، فينبغي أن تكون الزوجة محل خبرك، وأن تكون رفيقة في الطريق إلى الله عز وجل، أليس كذلك؟ أخبرها بما جرى. الشيء الذي لا يصدق: أن هذه المرأة البطلة, يوم دخل النبي مكة فاتحاً, دعته بيوت مكة أن يبيت عندها، فقال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها, ليشعر العالم كله أن هذه المرأة التي في البيت لها نصيب من هذا النصر، لأنها كانت مثال المرأة التي أعانته على دعوته، وتنازلت عن حظوظها من أجل دعوته . هذه المرأة، لم يأتِ الوحي بعد، ما جاء من الوحي إلا ﴿اِقْرَأْ﴾ قالت له السيدة خديجة: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ . من أين جاءت بهذه القاعدة؟ لم يتنزل من الوحي إلا: ﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ من أين جاءت بهذه القاعدة؟ هذه الفطرة . بشرى لك أيها الشاب الطائع لربك: أقول لكم أيها الأخوة: شاب مستقيم, صادق، أمين، عفيف، يغض بصره عن محارم الله، لا يكذب، يعين على نوائب الدهر، يجب أن تعلموا علم اليقين: أن الله عز وجل لا يخزي هذا الشاب أبداً، فقير، غني، عنده بيت، ليس عنده بيت، ميسر له عمل، من دون عمل، ما دام إنساناً مستقيماً، صادقاً, أميناً، عفيفاً، يرجو رحمة الله عز وجل، لزوال الكون أهون على الله من أن يخيب ظن هذا الشاب، هذه قاعدة. تقول هذه السيدة خديجة: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ . ينبغي أن تطمئنوا أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [سورة الجاثية الآية: 21] مستحيل، وألف ألْف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل، وألف ألف أَلف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن يعامَل شاب مستقيم, عفيف, طاهر, صادق, أمين, كما يعامَل فاسق, عاص, غارق في لذاته وشهواته. موقف فيه تقليد : من أين جاءت السيدة خديجة بهذه الحقائق؟ من فطرتها، أنا هذا العبد الفقير تقليداً لهذا الموقف، إن رأيت شابًا مستقيمًا، يخشى الله، يحب الله، يسعى لخدمة الخلق, أقول له: أبشر، وليس عندي أي دليل على أن الله سيكرمه إلا حسن ظن بالله عز وجل، فقط أبشر، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت مستقيماً على أمر الله، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت خائفاً منه، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت محسناً لخلقه، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت موحداً له . قف عند هذه الكلمة : هذه كلمة ينبغي أن نقف عندها كثيراً، ((كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ))[/RIGHT]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

مخالفة مانع الإعلانات

نأسف متصفحك يقوم بعمل تعطيل للأعلانات وهذا هو مصدر رزقنا برجاء تعطيل إضافة الحجب والتصفح , لن تسطيع رؤية الصور والفيديوهات بدون تعطيل الحجب