فإذا لم تعرفا قيمة الزواج وإن لم تعرفا أنه نعمة إلهية كبرى وسنّة نبوية حميدة فلا يمكن لكما أن تحافظا عليه. فكلّنا يعلم أنه إذا كان عندنا شيء ذو قيمة مهمّة بنظرنا فإننا نحافظ عليه أشد المحافظة ونعتني به أفضل عناية، وأما إذا لم تكن له تلك القيمة فإننا نزهد به ونتركه ربما حتى في أيدي الأطفال. ومما لا شك فيه ديننا الحنيف وشعورنا الإنساني أن الزواج نعمة إلهية كبرى منَّ الله بها علينا وأنّها مقدسة، فلو لا سُنَّة الزواج لما بني بناء في هذه الدنيا. وكما قيل فإنه من خلال سنّة الزواج انحدرت البنوّة ووجدت الأبوّة والأمومة وتولدت الأخوّة وتفرعت القرابة ونشأت المصاهرة وتكونت الأسرة فكانت لذلك روح الاجتماع.. في صلاحها صلاح الأمة وفي قوّتها قوة المجتمع، فهي مبدأ الإصلاح ومبعث النمو ومنشأ القوّة. – في القرآن: إذاً أيها العزيزان؛ حافِظَا على هذه القدسية وهذه النعمة لكي تنتج لكما سعادة وحباً ومودّة. وللتأكيد على هذا المطلب اقرآ هذه الآية والروايات بتمعّن وتدبّر، وستعلمان أنكما تقدمان على خطوة أقدم عليها الأنبياء والأولياء والصالحون…. يقول تبارك وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21). (وَمِن آياتِهِ) أي من نعمه تبارك وتعالى التي تستحق الشكر منّا والمحافظة عليها (أنْ خَلَقَ لَكُم) خلقنا من ذكر وأنثى، فخلق الذكر للأنثى لأنها لا تستقر حياتها من دونه وخلق الأنثى للذكر لأنه لا يستقر عيشه بدونها. (مِن أنفُسِكُمْ) أي من جنس واحد متجانس – تصوّرا لو كان الزوجان من غير جنس واحد فهل يشعران بالسرور واللذة؟! ولكن الله تبارك وتعالى خلقنا من جنس واحد يميل أحدهما إلى الآخر ويأنس به. (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا): السكون هو الاستقرار والراحة النفسية، إنها إحدى الحكم الإلهية من وراء التزويج، فلولا الزواج لما شعر الإنسان بالسكون والاطمئنان والاستقرار ولَمَا أمكنه أن يعمل وأن يبدع في هذه الحياة. وهذا ما نراه واضحاً في حياة العزّاب، فمهما ملك العازب من المال والجاه والقدرات فلن يشعر بالسكون والاطمئنان النفسي، بل إننا نراه يسعى ويبحث عن شريك حياته لكي يبادله المحبة والمودة ويصل معه إلى السكون والاستقرار. (وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً): إذا حافظنا عليه شعرنا بهذه المودة أي الحب والحنان والعطف، ثم تراحمنا في حالة الغضب والصعوبات لتستمر الحياة هادئة وسعيدة. فالمودة هي الأساس في بداية العلاقة الزوجية، فلا زواج ناجح من دون الحب بين الطرفين، ولعل الزوجة هي الأقدر في إظهار هذا الجانب وتفعيله مع الزوج. والرحمة هي الأساس في استمرار الحياة الزوجية، فلا يستمر الزواج إذا لم يكن رحمة بين الطرفين، خصوصاً في خضم المصاعب والمشاكل الحياتية، وبمعنى آخر أن لا يظلم أحد الزوجين الطرف الآخر في ساعة الغضب أو الخطأ، ولعل الزوج هو المطالب الأكبر في إظهار هذا الجانب (الرحمة) مع زوجته وأن لا يظلمها ساعة الغضب أو سوء التصرف. (إنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ): نعم، عبرة وموعظة لكل إنسان عاقل، إذا تدبّر وتفكّر فإنه سيعلم أن الحياة تزهو وتزدهر بالزواج، ولا يستمر الزواج من دون النظر إليه كنعمة إلهية مقدّسة، ولا نحافظ على هذا المقدّس والنعمة إلّا بالمودة والمحبة فيما بيننا. * في الأحاديث والروايات قال رسول الله (ص): “ما بُنيَ في الإسلام بناء أحب إلى الله عزّ وجلّ من التزويج”. إذا كان التزويج فيما بيننا من أحب الأشياء إلى الله سبحانه وتعالى فكيف يمكن أن نفرّط أو نقصّر بما أحبّ الله تعالى! وقال (ص): “إذا تزوج العبد (امرأة أو رجل) فقد استكمل نصف الدين، فليتّقِ الله في النصف الآخر”. نعم أن يستكمل المرء نصف دينه فهذا طموح العقلاء، وسلوك العقلاء هو المحافظة على الموجود والسعي للحصول على الباقي. عن سيدنا علي رضي الله عنه (ركعتان يصلّيهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصلّيهما غير متزوج). نعم، لو لم يكن الزواج مقدّساً ولو لم تكن له هذه القيمة في ديننا لما كان هذا الأجر والتفضيل لصلاة المتزوج. إنّ امرأة سألت أبا جعفر فقالت: أصلحك الله، إني متبتّلة. فقال: وما التبتل عندك؟ قالت: قالت: لا أريد التزوج أبداً، قال: ولمَ؟ قالت: ألتمس في ذلك الفضل. فقال: انصرفي، فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة أحق به منك إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل. والتبتّل هو الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة، لكن فضل الزواج مقدّم عليه، ولذا تزوجت سيدة النساء فاطمة لأنها لا يسبقها بالفضل أحد. وهنا يلزم الإشارة والتنبه من خلال هذه الرواية أنّ الزواج أمر عبادي، وفيه الفضل، ولا ينبغي أن يتصوّر أحد من النساء أو الرجال أنّ التبتل وعدم التزويج أمر مرغوب بل هو مرفوض، والمطلوب هو سنة الزواج، فلا رهبانية في الإسلام. إذاً، النتيجة الواضحة أنّ الزواج سنّة نبويّة ونعمة إلهية مقدّسة. فيا أيّها الزوجان الكريمان حافظا على ذلك أشدّ المحافظة، ولا يزيّن لكما الشيطان أنّ هناك شيئاً أفضل من التزويج في سنّة الحياة كالمقولات المشهورة والمتداولة اليوم على الألسن من ان الزواج يأسر الإنسان ويجعله مقيّداً وأن العازب حرّ وطليق.
[/FONT]