سرقوا الزيت .. من الجامع والبيت !!

سرقوا الزيت .. من الجامع والبيت !! بقلم : محمد أبوكريشة

زمان.. زمان “خالص” حكيت لكم حكاية الشيخين اللذين مرا بجماعة يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويحثون التراب علي رءوسهم حزناً علي ميت لهم.. فترك أحد الشيخين رفيقه واندفع نحو اللاطمين الراقصين حزناً وراح يقول بأعلي صوته: يا عالم.. يا هووه.. حرام عليكم.. يا ناس اسمعوني.. اتقوا الله.. عودوا إلي صوابكم.. يا غجر يا أولاد الكلب.. يا كفرة.. لكن هيهات.. ضاع صوته في الزحام.. لم يستمع إليه أحد ولم يكف اللاطمون عن لطمهم.. وعاد الرجل خائباً وقد اكتسب إثماً لأنه لما زهق قال: يا غجر.. يا أولاد الكلب.. يا كفرة.

واندفع الشيخ الثاني إلي الجموع اللاطمة.. ولم يقل شيئاً لكنه خلع عمامته وقفطانه وظل بملابسه الداخلية وراح يلطم معهم ويحثو التراب علي رأسه فتوقف اللاطمون عما هم فيه وبدت عليهم الدهشة والذهول من ذلك العالم الجليل الذي يلطم ويولول معهم.. وراحوا يتحلقون حوله يسألونه عن خبره فاستغفر الله مما فعل وبدأ يعظهم ويدعوهم إلي الهدي.. ولم تقل الحكاية شيئا عن النتيجة.. وهل أفلح الشيخ بحيلته في هداية هؤلاء أم عادوا إلي لطمهم من جديد؟

ومازلت أسأل ولا أجد جوابا.. ما جدوي أن نتكلم بلا سامعين..؟ وما جدوي أن نكتب بلا قراء؟ وما معني الاذان في مالطا؟ وهل يكفي أن تقول الحق أم ينبغي أن يكون حقك مزوقاً وأن تبحث عن سبل للفت الأنظار إليك؟.. هل يجوز أن ندعو إلي الحق بالباطل وأن نحض علي الحلال بالحرام وإن يركب الخير حمار الشر ليصل؟ قلت لكم أن أي صاحب رسالة أو دعوة لابد أن يعتمد علي فضيلة الدهشة والذهول لدي الناس.. لابد أن يثير لديهم العجب والاستغراب.. لكن ما الحيلة إذا ماتت الدهشة لدي الناس؟ ما العمل إذا كف الناس عن الذهول؟.. لن يستطيع أحد أن يقول للناس ما لا يعرفون.. لا توجد نكتة تضحك الناس.. وعندما تقول أول كلمة في النكتة ستجد عشرات يكملونها لك.. وستجد عشرات يقولون لك: قديمة.. ولن يضحك أحد.. زمان كان يمكن أن يموت الناس “علي روحهم” من الضحك بكلمة.. الكلمة كانت تبكي الناس والكلمة كانت تضحكهم.. والكلمة كانت “تدوخ” أي فتاة أو شاب.. الكلمة كانت تبني أسرة.. وكانت تهدم أسرة.. وكان الرجل “يتربط” من لسانه.. واليوم لا يتربط من أي حتة غير “بطنه وفرجه”.. لم يعد للكلمة أي تأثير لذلك دالت دولة الشعر.. وألف قصيدة حب لا تحرك شعرة في رأس امرأة ولا رجل.. وألف أغنية وطنية لا تحشد الجماهير ولا تشعل ثورة.. وهناك محاولات مستميتة لاضحاكنا “بالزغزغة” والكلام الخارج والإفيهات الجنسية.. هناك ضربات متلاحقة فوق رءوسنا لنضحك.. وضربات أخري لنبكي.. لكننا لا نضحك ولا نبكي.

”هات من الآخر” في الحب والكراهية.. “سيبك من الكلام وخش في الموضوع”.. فالكلام “لا يودي ولا يجيب”.. والدخول في الموضوع يعني الرشوة والفساد والجنس.. لا وقت للوعظ والارشاد والتوعية.. لن تقول جديدا.. الناس يعرفون أكثر منك.. والمعرفة لم تعد كافية لنأتمر أو ننتهي.. وقد أعجبني تفسير لأحدهم لمعني الإصرار علي الذنب إذ قال إن الإصرار لا يعني التكرار ولكنه يعني أن نذنب بعلم ومعرفة.. يعني أن تخطئ وأنت تعرف وتعلم أنك ترتكب الخطأ.. والحلال بيِّن.. والحرام بيِّن.. أي أن ضلالنا علي علم وليس علي جهل.. هو ضلال عمدي مع سبق الإصرار والترصد.. وقد قال لي أحد الشبان يوماً: نحن جيل بلا أساتذة لا نجد من يعلمنا ويهدينا سواء السبيل.. فقلت له: ونحن جيل بلا تلاميذ لا نجد من نعلمه ونهديه سواء السبيل.. ونحن العرب عندنا تخمة في المتكلمين.. وعندنا جوع في السامعين.. لدينا فائض كبير من الكتاب وندرة حتي العدم في القراء.. لدينا دعاة “علي قفا من يشيل” وليس لدينا مدعوون.. كلنا أصحاب فرح ولا يوجد معازيم.. كلنا أصحاب مأتم ولا يوجد معزون. والحيرة التي يعانيها صديقي كريم الشافعي حيرة حقيقية أعانيها أيضاً.. فنحن لم نعد نعرف من علي حق ومن علي باطل.. لا نعرف المقاوم والمجاهد من الإرهابي.. لا نعرف المتطرف من المعتدل.. لا نعرف أهل الخير من أهل الشر.. لا نعرف الفرقة الناجية من الفرقة الهالكة.. نعيش فتنة كقطع الليل المظلمة القاعد فيها في بيته خير من الساعي.. وأقوي البيانات العربية الشاجبة والمستنكرة يصدرها شعبان عبدالرحيم كما يقول صديقي د. أسامة حجازي المسدي.. وشعبولا هو الأمين العام الفعلي لجامعة الدول العربية.. وأغانيه أقوي من بيانات المندوبين النائمين ووزراء الخاربية العرب الذين وضعوا “جزمة حنين” في أفواههم وعلي رءوسهم كما يقول صديقي أحمد شريف أبو زريعة.

* * * *
وأما صديقي عماد سعيد حزين فقد بلغ به اليأس مداه حتي قال: “خلينا في حالنا” ودعك من العرب والقدس وفلسطين.. ولا أدري ما هو حالنا إن لم يكن العرب والقدس وفلسطين قلب ولب حالنا وجرحنا وعذابنا.. كما أن صديقي عماد حمل حملة شعواء علي بني أمية ونسب إلي الوليد بن عبدالملك انه مزق المصحف وقال: فإذا أتيت ربك يوم حشر.. فقل يا رب مزقني الوليد.. وهذا كلام فيه نظر.. فقد نسبت هذه الواقعة في التاريخ إلي الوليد بن يزيد وليس الوليد بن عبدالملك.. ومع ذلك فإنني أقرأ التاريخ العربي كله بحذر شديد وأري فيه أكاذيب فظيعة.. لأننا نقرأ تاريخنا الذي كتبه غيرنا.. وآفة العرب انهم لم يكتبوا تاريخهم ولم يرسموا حدودهم.. ولا يعرفون الألف من كوز الذرة.. آفة العرب انهم يأكلون ما يطبخ غيرهم.. ويلبسون ما يفصله الأجنبي.. ويقرأون ما كتبه الأجنبي.. ويتصارعون علي حدود رسمها الأجنبي.. وينفذون أجندة وضعها الأجنبي.. العرب قوم بلا إرادة وينفذون إرادات الأجنبي.. والعرب يحاربون بعضهم بالوكالة عن الأجنبي.. وأسوأ من ذلك أن أحد الساسة العرب قال لي ان العرب في اجتماعاتهم علي أي مستوي يتوجسون من بعضهم.. وكل منهم يري أن الآخر عين عليه وانه قد ينقل ما قاله إلي أمريكا.. لذلك يقولون كلاما باهتا لا معني له.. ويصدرون بيانات مائعة.

وحكاية “دعك من القدس وفلسطين والعرب” تتكرر كثيرا في أيامنا هذه.. “خدنا إيه من العرب؟”.. “الزيت اللي عايزه البيت يحرم علي الجامع”.. نجحت دعوة الصهينة في ترسيخ آفة الإنكفاء علي الذات وحبس كل دولة عربية داخل حدودها.. وتضييق مفهوم الأمن القومي ليصبح “خرم إبرة”.. ليصبح تحت السرير في غرفة النوم.. ليصبح عند باب شقتي.. ليصبح تحت مقعدي ومنصبي.. حتي قلنا إن “رغيف العيش” قضية أمن قومي.. “وباكو المعسل والسيجارة” قضية أمن قومي.. وأنا أكره كراهية التحريم كلمة “القومي”.. ولا أدري معناها.. فلدينا ألف مجلس قومي.. وألف مركز قومي.. وفريق قومي.. ولاعب كرة القدم عندنا ثروة قومية.. والفنان ثروة قومية.. والقومية العربية والمجالس القومية المتخصصة والسيرك القومي والمسرح القومي.. ولا أحد يعرف ما معني القومي.. أما أنا فأعرف ان القومي لفظ بديل للوطني اخترعناه أيام الاشتراكية عندما أصبح القومي بديلا للوطني في كل شيء.. وكان هناك ما يسمي المد القومي.. والمد الثوري.. وتحول اليوم إلي المد الإسلامي أو المد الديني.. وكل هذه الشعارات القديمة والجديدة لا معني لها ولم يكن لها أي وجود علي أرض الواقع.. فقط هناك عباقرة في ركوب أي موجة.. تكسبوا من المد القومي.. ويتكسبون من المد الإسلامي.. تربحوا من القومية.. ويتربحون الآن من الوطنية.. أثروا واغتنوا من الحرب وأثروا واغتنوا من السلام.. حلبوا بقرة الاشتراكية.. وحلبوا بقرة الرأسمالية.. وحلبوا بقرة الخصخصة.. وأعظم المتحمسين للخصخصة هم أبناء الاشتراكية والتنظيم الطليعي ومنظمة الشباب.. هم الذين سرقوا فلوس القطاع العام واشتروه بها ليصبح خاصا.. “يعني من دقنه وافتل له”. [/color]
Exit mobile version