رخص الحج
رَفْع الحرج، وعدم إلحاق الضرر والمشقة بالمكلف، من المقاصد الأساسية التي رعتها الشريعة، وتظافرت عليها أدلة الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله جل وعلا: {يريد الله بكم اليسر } (البقرة 185) وقوله سبحانه: { يريد الله أن يخفف عنكم } (النساء 28) وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج } (الحج 78)، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله يجب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) رواه أحمد ، وفي رواية: ( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) رواه البيهقي وغيره .
وقد قرر أهل العلم استناداً إلى هذه النصوص عدداً من القواعد الفقهية، التي تفيد رفع الحرج وإزالة الضرر والمشقة عن المكلف ؛ من ذلك قولهم: ” المشقة تجلب التيسير ” ، وقولهم : ” الضرر مدفوع شرعاً ” ، وقولهم : ” الأمر إذا ضاق اتسع ” ، ونحو ذلك مما أصله الفقهاء في قواعدهم الفقهية .
وهناك بعض الرخص التي شرعت في الحج تخفيفاً وتيسراً على المكلفين ومن ذلك :
– الأصل في الإحرام أن يكون عند المواقيت المكانية المحددة ، لكن يجوز لقاصد الحج أن يحرم قبل الميقات إن خشي فواته لجهل به أو نوم ، أو نحو ذلك .
– الأصل عدم جواز لبس المخيط للمحرم ، لكن إذا لم يجد المحرم إزاراً جاز له أن يلبس السراويل وإذا لم يجد نعلين جاز له أن يلبس الخفين .
كما أجاز بعض أهل العلم لبس المخيط إن كانت ثمة ضرورة تستدعي ذلك ، كبرد ، وجرح وما أشبه ذلك ، مع وجوب الفدية على الصحيح .
– لا حرج على المحرم أن يغتسل للتبرد ويغسل رأسه ويحكه برفق وسهولة إذا احتاج إلى ذلك.
– للمحرم أن يغسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ ونحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لبسه .
– لا حرج في عقد الإزار وشد ما يحفظ المال على الوسط.
– يباح للمرأة من المخيط ما شاءت من الثياب من غير تبرج ولا زينة ، إلا أنها لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين ، وإذا احتاجت إلى أن تضع الخمار على وجهها فلا حرج عليها ، بل ينبغي لها أن تسدل خمارها إذا قابلت الرجال الأجانب .
-الأصل في الإحصار الذي يجوز معه التحلل أن يكون بالعدو فحسب ، وأجاز بعض الفقهاء التحلل بالمرض ، أو بأي عذر يمنع المحرم من مواصلة أعمال الحج ، كنفاد النفقة ، أو ضياعها، أو ضلال الطريق، ونحو ذلك.
– الأصل في وقوف عرفة أن يكون نهارًا مع جزء من الليل، لكن لو مرَّ المحرم بعرفة مرورًا ، أو كان فيها نائمًا ، أو مغمًى عليه ، أو جاهلاً بأنها عرفة ، صح وقوفه عند بعض أهل العلم ، وأجزأه ذلك.
– الواجب عند بعض أهل العلم المبيت بمزدلفة إلى طلوع الفجر ، ورخَّص بعض الفقهاء تقديم الضعفة، وأصحاب الأعذار إلى منى بعد منتصف الليل لرمي جمرة العقبة .
– الأصل في التكاليف الشرعية أن يقوم بها المكلف بنفسه ، لكن تجوز الإنابة في أعمال الحج كاملة ، لمرض ، أو عجز مُقْعِد، كما تجوز الإنابة في بعض الأعمال ، كالرمي لمن عجز عنه لمرض ، أو خوف زحام، أو دَفْعٍ شديد يعود عليه بالضرر والأذى ، ولم يمكنه الرمي في وقت آخر .
– الأصل في وقت الرمي أيام التشريق أن يكون بعد الزوال إلى الغروب ، وأجاز بعض أهل العلم الرمي ليلاً ، إن كان ثمة حاجة تدعو لذلك ، كخوف زحام وتدافع ، وعدم تمكن من الوصول إلى المرمى .
– الأصل لمن أراد التعجل أن ينفر من منى ثاني أيام التشريق ، وقبل غروب الشمس ، فإذا غربت عليه وهو فيها ، تعين عليه المبيت تلك الليلة ، وتعين عليه أيضًا الرمي في اليوم الثالث، لكن لو غربت عليه الشمس وتأخر بغير اختياره ، مثل أن يكون قد ارتحل وركب وتهيأ للخروج ، ولكن تأخر بسبب الزحام ونحوه فلا يلزمه شيء .
– المبيت في منى أيام التشريق ، واجب عند جمهور أهل العلم ، يلزم بتركه دم ؛ لكن ُرخَّص لأهل الأعذار ، ومن كان به مرض يشق معه المبيت ، أو له مريض يحتاج إلى تعهده ، ومن يشتغل بأمر يخاف فواته ، وما أشبه ذلك فهؤلاء لهم ترك المبيت ، ولا شيء عليهم .
– الأصل في طواف الإفاضة أن يكون في أيام النحر ، ولو فعله في أيام ذي الحجة ، أو بعدها صح ولا شيء عليه على الصحيح .
– الطهارة شرط عند جمهور أهل العلم لصحة الطواف ، لكن لو اضطرت الحائض أو النفساء لمغادرة مكة ، ولم تكن قد طافت طواف الإفاضة ، ولا يمكنها أن تبقى في مكة حتى تطوف ، ولا أن تعود من بلدها لتطوف ، ففي هذه الحالة تغتسل وتتحفظ ، وتطوف للإفاضة وتسعى، ويصح ذلك منها للضرورة .
– يرخص للحائض والنفساء ترك طواف الوداع وليس عليهما شيء ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ” أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض ” .هذه بعض الرخص التي يذكرها الفقهاء في هذا الباب ، والذي ينبغي على الحاج أن يتفقه في أحكام المناسك ، وأن يسأل أهل العلم فيما أشكل عليه منها ، وأن لا يكون همه الترخص والبحث عن الأسهل والأيسر فقط ، ولكن الاقتداء برسوله – صلى الله عليه وسلم – واتباع سنته وهديه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .