المنتقى من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

[FONT=Arial] بسم الله الرحمن الرحيم

• اصطفاء الرسل:

﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ﴾ [الحـج: 75].
﴿ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [ الأنعام: 124].
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: 68].
﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة:128].
) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ( رواه مسلم (532).
﴿ وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].
﴿ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164].

• اصطفاء الذات المحمدية -صلى الله عليه وسلم-:

) أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( متفق عليه.

• اصطفاء النسب الشريف:

) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ( رواه مسلم (2276).
) إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا، وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا (. رواه أحمد في المسند، صحيح الجامع للألباني (1485).

• اصطفاء الزوجات:

﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6].
) خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ( رواه مسلم (2430).
) وَإِنَّ فَضْل عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ( رواه مسلم (2431).
) يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قَالَ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا ( رواه الترمذي (3886) وصححه الألباني.

• اصطفاء الأولاد والذرية:

) أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ( وهي فاطمة رضي الله عنها. رواه البخاري (3624).
) الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ( رواه الترمذي (3701).

• اصطفاء الأصحاب:

﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [التوبة:100].
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18].

• اصطفاء الأمة:

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران:110].
) إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ ( رواه الترمذي (3001) وابن ماجة (4287) وحسنه الترمذي والألباني.

• اصطفاء الزمن:

) بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنْ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ( رواه البخاري (3557).

• اصطفاء البلد:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ*وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد1-2].
﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 3].
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَكَّةَ: ) مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ ( رواه الترمذي (3926) وصححه الترمذي والألباني.

• اصطفاء المهاجر:

﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لًا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة:40].
) مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا ( رواه الترمذي (3917)، وابن ماجة (3112)، وصححه الترمذي والألباني.

• اصطفاء بعض الأزمنة له -صلى الله عليه وسلم- ولأمته، ومن ذلك:

1- ليلة القدر: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر:3].
2- يوم عرفة: ) مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ( رواه مسلم (1348).
) وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ( رواه مسلم (1162).
3- يوم عاشوراء: ) وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ( رواه مسلم (1162).
4- يوم الجمعة: ) خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( رواه مسلم (854).
5- رمضان سيِّد الشهور: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة:185].

فصل في نسبه صلى الله عليه وسلم

• وهو خير أهل الأرض نسبًا على الإطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة؛ فأشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه. زاد المعاد لابن القيم (1/81) باختصار.
• ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان تلك الأسئلة عن صفاته -عليه الصلاة والسلام- قال: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب. قال: كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها. يعني: في أكرمها أحسابا وأكثرها قبيلة، صلوات الله عليهم أجمعين.

فهو سيِّد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة: ) أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( رواه مسلم (2278).
فهو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.

إلى هنا معلوم الصحة، وما فوق عدنان مختلف فيه. ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل، وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب، والقول بأنه إسحاق باطل.
ولا خلاف أنه -صلى الله عليه وسلم- ولد بمكة عام الفيل. وكانت وقعة الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته، وإلا فأهل الفيل نصارى أهل كتاب، دينهم خير من دين أهل مكة؛ لأنهم عبّاد أوثان، فنصرهم الله نصرًا لا صنع للبشر فيه، تقدمةً للنبي الذي أخرجته قريش من مكة، وتعظيمًا للبلد الحرام.

• حفظ النسب الشريف:

) خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء (.
وهذا رواه ابن عدي عن علي بن أبي طالب وسند المرسل جيد قاله ابن كثير في السيرة، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1972).

فصل في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين.
) وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ ( رواه مسلم (1162) وقد هاجر يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، ومات يوم الاثنين.
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل بالإجماع.
عن قيس بن مخرمة قال: ) ولدت أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفيل، فنحن لِدَان ( رواه الحاكم (12/440 برقم 5954)، وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني.
قصة الفيل: حملة أبرهة الحبشي سنة 571م لهدم الكعبة المشرفة.
• توفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمّه على المشهور: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6].

فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام

1- عن حسان بن ثابت قال: والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًّا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما لك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به.
رواه محمد بن إسحاق في السير (1/168)، وحسنه الألباني.
2- عن أسامة بن زيد قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل:
قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع فصدقه واتبعه.
رواه أبو نعيم ومحمد بن حيان، وحسنه الألباني في صحيح السيرة (14).
3- ). . . ورؤيا أمي التي رأت حين حملت بي، كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام (
رواه الحاكم (2/600)، وقال: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، والألباني.

فصل في ختانه صلى الله عليه وسلم

وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ولد مختونًا مسرورًا، وروي في ذلك حديث لا يصح. وليس هذا من خواصه، فإن كثيرًا من الناس يولد مختونًا.
القول الثاني: أنه خُتن صلى الله عليه وسلم يوم شقَّ قلبه الملائكة عند ظئره حليمة.
القول الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسماه محمدا. والله أعلم زاد المعاد لابن القيم (1/81) باختصار.

فصل في أمهاته -صلى الله عليه وسلم- اللاتي أرضعنه

• وأوّل من أرضعته من المراضع بعد أمِّه -صلى الله عليه وسلم- ثويبة مولاة أبي لهب، بلبن ابنها مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي: ) أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ ( رواه البخاري (5101). ومسلم (1449).
• وأرضعته حليمة السعدية في ديار بني سعد:
) نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر …( جوّد إسناده ابن كثير في السيرة، والألباني في صحيح السيرة (17).
– فكان حمزة رضيعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية.

فصل في حواضنه صلى الله عليه وسلم

فمنهن أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
ومنهن ثويبة وحليمة، والشيماء ابنتها، وهي أخته من الرضاعة، كانت تحضنه مع أمها.
ومنهن الفاضلة الجليلة: أم أيمن بركة الحبشية، وكان ورثها من أبيه وكانت دايته. زاد المعاد لابن القيم (1/82). باختصار.

• شق الصدر في المرة الأولى: ) أَتَاهُ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي: ظِئْرَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ( رواه مسلم (1/101-102).

• والمرة الثانية: ليلة الإسراء والمعراج.
وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك. قال: ) نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بَهْمًا لنا، إذ أتاني رجلان – عليهما ثياب بيض – بطست من ذهب مملوء ثلجًا، ثم أخذاني فشقَّا بطني، واستخرجا قلبي، فشقَّاه فاستخرجا منه علقةً سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زِنه بعشرة من أمّته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمئة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألفٍ من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك فوالله لو وزنته بأمته لوزنها (.
تهذيب سيرة ابن كثير (81) وقال ابن كثير: وإسناده جيد قوي، وانظر الصحيحة للألباني (1545-1546).

إلى أمه الحنون

وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين.
ورأت آمنة – وفاء لذكرى زوجها الراحل – أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو مترًا، ومعها ولدها اليتيم محمد -صلى الله عليه وسلم- وخادمتها أم أيمن، وقيِّمها عبد المطلب، فمكثت شهرًا، ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالأبْوَاء بين مكة والمدينة.

إلى جده العطوف

وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم، الذي أصيب بمصاب جديد نَكَأ الجروح القديمة، فَرَقَّ عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم: دعوا ابني هذا، فوالله! إن له لشأنًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.
ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره -صلى الله عليه وسلم- توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.

إلى عمه الشفيق

ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ من ذلك في مواضعها.

[/FONT]
Exit mobile version