آداب تلاوة القرآن الكريم – الباطنية

آداب تلاوة القرآن الكريم الباطنية
بقلم‏:‏د‏.‏ علي جمعة
مفتي الجمهورية
أسند أبوبكر الأنباري عن أبي أمامة الحمصي قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم‏:‏ من أعطي ثلث القرآن فقد أعطي ثلث النبوة‏,‏ ومن أعطي ثلثي القرآن فقد أعطي ثلثي النبوة‏,‏ ومن قرأ القرآن كله فقد أعطي النبوة كلها غير أنه لايوحي إليه‏,‏ ويقال له يوم القيامة‏:‏ اقرأ وارق‏,‏ فيقرأ آية ويصعد درجة حتي ينجز ما معه من القرآن‏,‏ ثم يقال له‏:‏ اقبض‏,‏ فيقبض ثم يقال له‏:‏ أتدري ما في يدك؟ فإذا في يده اليمني الخلد وفي يده اليسري النعيم‏,‏ ومعني العطاء هنا‏:‏ العمل بما ورد في القرآن فعن الحسن قال‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم‏:‏ من أخذ ثلث القرآن وعمل به فقد أخذ أمر ثلث النبوة‏,‏ ومن أخذ نصف القرآن وعمل به فقد أخذ أمر نصف النبوة‏,‏ ومن أخذ القرآن كله فقد أخذ النبوة كلها‏.‏

فالأعمال الباطنية التي ينبغي أن تصاحب التلاوة هي عشرة أيضا‏:‏

أولها‏:‏ فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالي ولطفه بخلقه بإنزال القرآن الكريم وأنه قد سمح لنا أن نتلو كلامه القديم‏,‏ وأن نفهم معناه رحمة بنا وهداية للمتقين‏.‏ ثانيها‏:‏ تعظيم شأن المتكلم‏,‏ فلابد للقارئ عند بداية التلاوة أن يستحضر في قلبه عظمة المتكلم سبحانه وتعالي ويعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر‏,‏ وأن الأمر جد لا هزل فيه‏.‏
ثالثها‏:‏ حضور القلب ومحاولة ترك حديث النفس‏,‏ وقد قيل في تفسير قوله تعالي‏: (‏ يايحيي خذ الكتاب بقوة‏) [‏ مريم‏:12]‏ أي بجد‏,‏ اجتهاد‏,‏ وأخذه بالجد‏:‏ أن يكون متجردا له عند قراءته ومنصرف الهمة إليه عن غيره‏.‏
رابعها‏:‏ التدبر ولو احتاج إلي أن يكرر الآية وأن يقف عندها فعليه أن يفعل ذلك‏.‏ خامسها‏:‏ التفهم وهو أن يستوضح من كل آية مايليق بها‏,‏ إذ القرآن يشتمل علي ذكر صفات الله سبحانه وتعالي وذكر أفعاله وذكر هدي الأنبياء وذكر أحوال الأمم وذكر يوم القيامة وذكر الجنة والنار وذكر التكليف وذكر الطاعات والمعاصي والأوامر والزواجر‏,‏ فلابد علي القاريء أن يكون حريصا علي طلب ذلك الفهم‏,‏ وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول‏:‏ من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن ومعني تثوير القرآن‏:‏ أن يقرأه بتدبر‏,‏ وهذا التدبر يجعل الإنسان عارفا بنفسه ومن عرف نفسه عرف ربه‏,‏ وكلما تدبر الإنسان في القرآن استخرج منه معاني وعجائب لاتنتهي‏,‏ قال تعالي‏: (‏ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا‏) [‏ الكهف‏:109]‏ وكان علي رضي الله عنه يقول‏:‏ لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب‏.‏ سادسها‏:‏ التخلي عن موانع الفهم فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب أسدلها الشيطان علي قلوبهم فحجبت عنهم أسرار القرآن كما قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حديث الإسراء الذي أخرجه أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالي عنه‏:‏ هذه الشياطين يحومون علي أعين بني آدم أن لايتفكروا في ملكوت السموات والأرض‏,‏ ولولا ذلك لرأوا العجائب‏,‏ ومن أسباب عدم الفهم‏:‏ أن يكون الهم منصرفا إلي تحقيق الحروف وإخراجها من مخارجها فينشغل الذهن بهذا عن التدبر‏,‏ ومنها‏:‏ التعصب لرأي سمعه من غير تحقق لبصيرة أو مشاهدة‏,‏ ومنها‏:‏ الاصرار علي الذنوب والتكبر والطمع في الدنيا واتباع الهوي‏,‏ فكل ذلك يحرم الإنسان من فهم القرآن‏,‏ وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم‏:‏ إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام‏,‏ وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي قال الفضيل بن عياض‏:‏ يعني حرموا فهم القرآن‏.‏ سابعها‏:‏ هو أن يوقن أن خطاب القرآن إنما هو موجه إليه‏,‏ فإذا مر بأمر أو نهي قدر أنه هو المنهي وأنه هو المأمور‏,‏ وإذا مر بقصص لم يأخذها علي أنها حكاية لتاريخ مضي بل يأخذها علي أنها هداية لمستقبل آت‏,‏ وهذا يفتقده كثير من الناس حتي خفيت المعاني‏.‏ ثامنها‏:‏ التأثر‏,‏ وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن أو الخوف أو الرجاء ونحو ذلك‏.‏ تاسعها‏:‏ الترقي‏,‏ وهو استحضار رب العالمين وكأنه يقرأه بين يدي الله فإنه كما قيل‏:‏ إن الله تعالي تجلي لخلقه في كلامه ولكنهم لايبصرون‏,‏ وكان عثمان يقول‏:‏ لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن‏,‏ وكان ثابت البناني يقول‏:‏ كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة‏,‏ وذلك حقيقة الترقي‏.‏ عاشرها‏:‏ التبري‏,‏ وهو أن يتبرأ القاريء من حوله وقوته والالتفات إلي نفسه بعين الرضا والتزكية‏,‏ فإذا تلا آيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك بل يتشوف إلي أن يلحقه الله بهم‏,‏ وإذا تلا آيات ذم العصاة والمقصرين خاف علي نفسه‏,‏ وقدر أنه مخاطب إشفاقا ورحمة‏,‏ وقد قيل ليوسف بن أسباط‏:‏ إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟ فقال‏:‏ أستغفر الله من تقصيري سبعين مرة‏.‏[/color]
Exit mobile version